(إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي") قال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: إنما قاله النبيّ -صلى الله عليه وسلم- تحذيرًا مما وقعت فيه طائفة من غلاة الرَّافضة؛ فإنَّهم قالوا: إن عليًّا نبي يوحى إليه، وقد تناهى بعضهم في الغلوّ إلى أن صار في عليّ إلى ما صارت إليه النصارى في المسيح، فقالوا: إنه الإله. وقد حرَّق عليّ -رضي الله عنه- من قال ذلك، فافتتن بذلك جماعة منهم، وزادهم ضلالًا، وقالوا: الآن تحققنا أنه الله؛ لأنَّه لا يعذِّب بالنار إلا الله، وهذه كلها أقوال عوام، جهَّال، سخفاء العقول، لا يُبالي أحدهم بما يقول، فلا ينفع سهم البرهان، لكن السَّيف والسِّنان. انتهى (١).
وقال أبو عمر بن عبد البرّ رحمهُ اللهُ: واحتجاج أهل الزيغ بهذا الحديث على أنه -صلى الله عليه وسلم- أراد بذلك استخلافه، فقد أجابه عن ذلك أبو إسحاق المروزي بجواب على وجهين مجملين:
أحدهما: أن هارون كان خليفة موسى في حياته، ولم يكن عليّ خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حياته، وإذا جاز أن يتأخر عليّ عن خلافة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حياته على حسبما كان هارون خليفة موسى في حياته، جاز أن يتأخر بعد موته زمانًا، ويكون غيره مقدَّمًا عليه، ويكون معنى الحديث: القصد إلى إثبات الخلافة له، كما ثبتت لهارون، لا أنه استحق تعجيلها في الوقت الذي تعجّلها هارون من موسى عليه السَّلام.
والوجه الآخر: أن هذا الكلام إنما خرج من النبيّ -صلى الله عليه وسلم- تفضيل عليّ، ومعرفة حقه، لا في الإمامة؛ لأنه ليس كل من وجب حقه، وصار مفضّلًا استَحَقّ الإمامة؛ لأن هارون مات قبل موسى بزمان، فاستخلف موسى بعده يوشع بن نون، فهارون إنما كان خليفة لموسى في حياته، وقد عُلم أن عليًّا لم يكن خليفة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في حياته، ولم يكن هارون خليفة لموسى بعد موته، فيكون ذلك دليلًا على أن عليًّا خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد موته.
قال أبو عمر: كان هذا القول من النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لعليّ حين استخلفه على المدينة في وقت خروجه غازيًا غزوة تبوك، وهذا استخلاف منه في حياته، وقد شَرِكه في مثل هذا الاستخلاف غيره ممّن لا يَدَّعي له أحد خلافةً جماعةٌ قد