للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الباغية"، وكان عمار مع عليّ، ومنها حديث قتاله الخوارج، وقد تقدم من حديث أبي سعيد وغير ذلك مما يُعرف بالتتبع، وأوعب مَن جمع مناقبه من الأحاديث الجياد: النسائيّ في "كتاب الخصائص وأما حديث: "من كنت مولاه فعليّ مولاه"، فقد أخرجه الترمذيّ، والنسائيّ، وهو كثير الطرُق جدًّا، وقد استوعبها ابن عُقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح، وحسان، قال الحافظ: وقد رَوينا عن الإمام أحمد قال: ما بلَغنا عن أحد من الصحابة ما بلَغنا عن عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه-، ذكره في "الفتح" (١).

وقد ذكر أبو عمر بن عبد البرّ بإسناده إلى ضرار الصُّدائي، وقال له معاوية: صِفْ لي عليًّا، فقال: أعفني يا أمير المؤمنين! قال: صِفْه، قال: أما إذ لا بدّ من وَصْفه، فكان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلًا، ويحكم عدلًا، يتفجَّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس من الليل ووحشته، وكان غزير الدَّمعة، طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما قَصُر، ومن الطعام ما خَشُن، كان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، ويفتينا إذا استفتيناه، ونحن والله مع تقريبه إيانا، وقُربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له، يُعظِّم أهل الدِّين، ويُقرب المساكين، لا يطمع القويّ في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، قابضًا على لحيته يتملل تملل السَّليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غُرِّي غيري، أإليّ تعرضتِ؟ أم إليّ تشوَّفت؟، هيهات هيهات! قد بَتَتُّك ثلاثًا، لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك قليل، آهٍ من قلة الزاد، وبُعد السفر، ووحشة الطريق؛ فبكى معاوية، وقال: رحم الله أبا حسن! كان والله كذلك، كيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حُزْن من ذُبح واحدها في حِجْرها، نقله القرطبيّ رحمهُ اللهُ في "المفهم" (٢).

٢ - (ومنها): ما قاله في "الفتح": استُدِلّ بحديث الباب على استحقاق عليّ للخلافة دون غيره من الصحابة -رضي الله عنهم-، فإن هارون كان خليفة موسى.

وأجيب بأن هارون لم يكن خليفة موسى إلا في حياته، لا بعد موته؛


(١) "الفتح ٨/ ٤٥٢ - ٤٢٦.
(٢) "المفهم" ٦/ ٢٧٧ - ٢٧٨.