للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لأنه مات قبل موسى باتفاق، أشار إلى ذلك الخطابيّ، وقال الطيبيّ: معنى الحديث أنه متصلٌ بي، نازل مني منزلة هارون من موسى، وفيه تشبيه مبهمٌ بيَّنه بقوله: "إلا أنه لا نبي بعدي"، فعُرف أن الاتصال المذكور بينهما ليس من جهة النبوة، بل من جهة ما دونها، وهو الخلافة، ولمّا كان هارون المشبه به إنما كان خليفة في حياة موسى دلّ ذلك على تخصيص خلافة عليّ للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- بحياته، والله أعلم. انتهى (١).

٣ - (ومنها): ما قاله العلماء في قوله: "إلا أنه لا نبيّ بعدي" دليل على أن عيسى عليه السَّلام إذا نزل يَنزل حَكَمًا من حُكّام هذه الأمة، يدعو بشريعة نبيّنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولا ينزل نبيًّا. قاله النوويّ رحمهُ اللهُ (٢).

وقال القاري بعد ذكر كلام النوويّ هذا: أقول: لا منافاة بين أن يكون نبيًّا ويكون متابعًا لنبيّنا -صلى الله عليه وسلم- في بيان أحكام شريعته، وإتقان طريقته، ولو بالوحي إليه، كما يُشير إليه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لو كان موسى حيًّا لَمَا وسعه إلا اتّباعي" (٣)؛ أي: مع وصف النبوة والرسالة، وإلا فمع سَلْبهما لا يفيد زيادة المزيّة، فالمعنى أنه لا يحدُثُ بعده نبيّ؛ لأنه خاتم النبيين السابقين، وفيه إيماء إلى أنه لو كان بعده نبيّ لكان عليًّا، وهو لا ينافي ما ورد في حقّ عمر -رضي الله عنه- صريحًا (٤)؛ لأن الحكم فَرْضيّ وتقديريّ، فكأنه قال: لو تُصُوّر بعدي نبيّ لكان


(١) "الفتح" ٨/ ٤٢٥.
(٢) "شرح النوويّ" ١٥/ ١٧٤.
(٣) أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، ولفظه من طريق مُجَالد، عن الشعبي، عن جابر ابن عبد الله: أن عمر بن الخطاب أَتَى النبي -صلى الله عليه وسلم- بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب، فقرأه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فغضب، فقال: "أَمُتَهَوِّكون فيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء، فيخبروكم بحق، فتُكَذِّبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى -صلى الله عليه وسلم- كان حيًّا ما وسعه إلا أن يتّبعني". وفي سنده مجالد بن سعيد، والأكثرون على تضعيفه.
(٤) هو ما أخرجه أحمد، والترمذيّ بسند حسن من طريق مِشْرَح بن هَاعَان، عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب"، قال الترمذيّ: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث مشرح بن هاعان.