للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تعرّض فيه لكونه أفضل من غيره أو مثله، وليس فيه دلالة لاستخلافه بعده؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما قال هذا لعليّ حين استخلفه في المدينة في غزوة تبوك، ويؤيد هذا أن هارون المشبَّه به لم يكن خليفةً بعد موسى، بل تُوفي في حياة موسى، وقبل وفاة موسى بنحو أربعين سنة، على ما هو مشهور عند أهل الأخبار والقصص، قالوا: وإنما استخلفه حين ذهب لميقات ربه للمناجاة، فلما رجع موسى عليه السَّلام من مناجاته عاد هارون إلى أول حالاته، على أنه قد كان هارون شُرِّك مع موسى في أصل الرسالة، فلا تكون لهم فيما راموه دلالة.

وغاية هذا الحديث أن يدلّ على أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إنما استخلف عليًّا -رضي الله عنه- على المدينة فقط، فلما رجع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من تبوك قعد مقعده، وعاد عليّ -رضي الله عنه- إلى ما كان عليه قبلُ، وهذا كما استَخلَف رسول الله غبهيمّ على المدينة ابنَ أُمّ مكتوم وغيرَه، ولا يلزم من ذلك استخلافه دائمًا بالاتفاق (١).

وقال الطيبيّ بعدما ذكر نحو ما تقدّم ما نصّه:

أقول: وتحريره من جهة علم المعاني أن قوله: "منّي" خبر للمبتدإ، و"من" اتّصاليّة، ومتعلّق الخبر خاصّ، والباء زائدة، كما في قوله تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ} الآية [البقرة: ١٣٧]؛ أي: فإن اَمنوا إيمانًا مثل إيمانكم؛ يعني: أنت متّصل بي، ونازل منّي منزلة هارون من موسى، وفيه تشبيه، ووجه الشبه منه لم يُفهم أنه -رضي الله عنه- فيما شبّهه به -صلى الله عليه وسلم-، فبيّن بقوله: "إلا أنه لا نبي بعدي"، أن اتّصاله به ليس من جهة النبوّة، فبقي الاتّصال من جهة الخلافة؛ لأنها تلي النبوّة في المرتبة، ثم إما أن يكون حال حياته، أو بعد مماته، فخرج من أن يكون بعد مماته؛ لأن هارون عليه السَّلام مات قبل موسى، فتعيّن أن يكون في حياته عند مسيره إلى غزوة تبوك. انتهى (٢).

وخلاصته: أن الخلافة الجزئيّة في حياته لا تدلّ على الخلافة الكلية بعد مماته، لا سيّما وقد عُزل عن تلك الخلافة برجوعه -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة. قاله القاري (٣).


(١) "شرح النوويّ" ١٥/ ١٧٤، و"المفهم" للقرطبيّ ٦/ ٢٧٣.
(٢) "الكاشف عن حقائق السُّنن" ١٢/ ٣٨٨٢.
(٣) "المرقاة" ١٠/ ٤٥٥.