بَقَر خواصر ناقَتَي عليّ -رضي الله عنهما-، وجَبّ أسنمتهما، فأَخبر عليّ بذلك النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فجاء إلى حمزة، فصدر عن حمزة للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- من القول الجافي المخالف لِمَا يجب عليه من احترام النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وتوقيره، وتعزيره، ما يدل على أن حمزة كان قد ذهب عقله بما يسكر، ولذلك قال الراوي: فعرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه ثمل، ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يُنكِر على حمزة ولا عنَّفه، لا في حال سُكره ولا بعد ذلك، بل رجع لمَّا قال حمزة: وهل أنتم إلا عبيد لأبي؟ على عقبيه القهقرى وخرج عنه.
وهذا خلاف ما قاله الأصوليون، وحكوه، فإنهم قالوا: إن السكر حرام في كل شريعة؛ لأن الشرائع مصالح العباد لا مفاسدهم، وأصل المصالح العقل، كما أن أصل المفاسد ذهابه، فيجب المنع من كل ما يُذهبه، أو يشوّشه، إلا أنه يَحتمل حديث حمزة أنه لم يقصد بشُربه السُّكر، لكنه أسرع فيه، فغلبه، والله أعلم. انتهى (١).
[تنبيه]: قال أبو عبد الله القرطبيّ المفسّر -رَحِمَهُ اللهُ- أيضًا: كان تحريم الخمر بتدريج، ونوازل كثيرة، فإنهم كانوا مولَعين بشربها، وأول ما نزل في شأنها:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}[البقرة: ٢١٩]؛ أي: في تجارتهم، فلما نزلت هذه الآية تركها لعض الناس وقالوا: لا حاجة لنا فيما فيه إثم كبير، ولم يتركها بعض الناس وقالوا: نأخذ منفعتها ونترك إثمها، فنزلت هذه الآية:{لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}[النساء: ٤٣] فتركها بعض الناس، وقالوا: لا حاجة لنا فيما يَشغلنا عن الصلاة، وشَرِبها بعض الناس في غير أوقات الصلاة حتى نزلت:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ} الآية؛ فصارت حرامًا عليهم حتى صار يقول بعضهم: ما حرَّم الله شيئًا أشد من الخمر.
وقال أبو ميسرة: نزلت بسبب عمر بن الخطاب، فإنه ذَكر للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- عيوب الخمر، وما ينزل بالناس من أجلها، ودعا الله في تحريمها، وقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فنزلت هذه الآيات، فقال عمر: انتهينا انتهينا.