وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "شجروا فاها بعصًا، ثم أوجروها" -بالشين والجيم -؛ أي: فتحوا فمها، وأدخلوا فيه العصا؛ لئلا تُغلقه حتى يوجروها الغذاء، والوَجُور: -بفتح الواو - ما يُصَبُّ في وسط الفم، واللَّدود -بفتح اللام -: ما يُصَبُّ من جانب الفم، ويقال: وجرته، وأوجرته -ثلاثيًّا، ورباعيًّا - وقد رواه بعضُهم:"شحُّوا فاها" -بحاء مهملة، وواو من غير راء - وهو قريب من الأول؛ أي: وسَّعوه بالفتح، والشحو: التوسع في المشي، والدابة الشحواء: الواسعة الخطو، ويقال: شحا فاه، وشحا فوه -مُعَدًّى، ولازمًا -؛ أي: فَتَحه، ووصية الله تعالى بمبرَّة الوالدين المشركين، والإحسان إليهما، وإن كانا كافرَين، وحريصَين على حَمْل الولد على الكفر، يدلُّ دلالة قاطعة على عظيم حرمة الآباء، وتأكُد حقوقهم. انتهى (١).
[تنبيه]: رواية شعبة، عن سماك بن حرب هذه ساقها ابن حبّان في "صحيحه"، فقال:
(٦٩٩٢) - أخبرنا عمر بن محمد الهمدانيّ، حدّثنا بندار، حدّثنا محمد، حدّثنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: أنزلت فيّ أربع آيات، أصبت سيفأ، فأتيت به النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفّلنيه، قال: ضَعْه، ثم قلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفّلنيه، وأُجْعَل كمن لا غناء له؟ قال: ضعه من حيث أخذت، فنزلت هذه الآية:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ}[الأنفال: ١].
وصنع رجل من الأنصار طعامًا، فدعانا، فشربنا الخمر، حتى انتشينا، فتفاخرت الأنصار وقريش، فقالت الأنصار: نحن أفضل منكم، وقالت قريش: نحن أفضل، فأخذ رجل من الأنصار لحي جزور، فضرب أنف سعد، ففزره، فكان أنف سعد مفزورًا، قال: فنزلت هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠)} [المائدة: ٩٠].