للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حِصْن. انتهى (١). (لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: اطْرُدْ هَؤُلَاءِ) الفقراء (لَا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا) قال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله: كان هؤلاء المشركون أشرافَ قومهم، وقيل: كان منهم عُيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، أنِفُوا من مجالسة ضعفاء أصحاب النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ كصهيب، وسلمان، وعمار، وبلال، وسالم، ومِهجَع، وسعد هذا، وابن مسعود، وغيرهم، ممن كان على مثل حالهم استصغارًا لهم، وكِبرًا عليهم، واستفذارًا لهم؛ فإنهم قالوا: يُؤذوننا بريحهم، وفي بعض كتب التفسير أنهم لمّا عَرَضوا ذلك على النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أبي، فقالوا له: اجعل لنا يومًا، ولهم يومًا، وطلبوا أن يكتبَ لهم بذلك، فهمَّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بذلك، دعا عليًّا ليكتب، فقام الفقراء، وجلسوا ناحية، فأنزل الله تعالى الآية.

قلتُ (٢): ولهذا أشار سعد بقوله: فوقع في نفس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما شاء الله أن يقع، وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إنما مال إلى ذلك طمعًا في إسلامهم، وإسلام قومهم، ورأى أن ذلك لا يُفَوِّتُ أصحابه شيئًا، ولا ينقصُ لهم قَدْرًا، فمال إليه، فأنزل الله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: ٥٢] الآية؛ فنهاه عما هَمَّ به من الطرد، لا أنه أوقع الطرد، ووصف أولئك بأحسن أوصافهم، وأمره أن يصبر نفسه معهم بقوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف: ٢٨]، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رآهم بعد ذلك يقول: "مرحبًا بقوم عاتبني الله فيهم"، وإذا جالَسَهم لم يَقُم عنهم حتى يكونوا هم الذين يبدؤون حوله بالقيام. انتهى (٣).

(قَالَ) سعد (وَكُنْتُ أَنَا، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ) لم يُسمَّ، (وَبِلَالٌ) المؤذّن، (وَرَجُلَانِ لَسْتُ أُسَمِّيهِمَا)؛ أي: لم أتذكر اسمهما، وفي بعض النسخ: "نسيتُ اسميهما".

وفي رواية ابن ماجه من طريق قيس بن الربيع، عن المقدام بن شُريح، عن أبيه، عن سعد قال: نزلت هذه الآية فينا ستةٍ، فيّ، وفي ابن مسعود، وصهيب، وعمار، والمقداد، وبلال، قال: قالت قريش لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنا لا


(١) راجع: "تنبيه المعلم" ص ٤١١.
(٢) القائل هو: القرطبيّ.
(٣) "المفهم" ٦/ ٢٨٤ - ٢٨٥.