[تنبيه]: قال ابن بطال -رَحِمَهُ اللهُ-: زعم بعض المعتزلة أن بَعْث النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الزبير وحده معارِض لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الراكب شيطان"، ونهى أيضًا عن أن يسافر الرجل وحده، قال المهلب: وليس بينهما تعارض؛ لاختلاف المعنى في الحديثين، وهو أن الذي يسافر وحده لا يأنس بأحد، ولا يقطع طريقه بمحدِّث، يُهَوِّن عليه مؤونة السفر؛ كالشيطان الذي لا يأنس بأحد، ويطلب الوحدة ليغويه، وأما سفر الزبير فليس كذلك؛ لأنه كان كالجاسوس يتجسس على قريش ما يريدون من حرب النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا يناسبه إلا الوحدة، على أنه خرج في مثل هذا الأمر الخطير؛ لحماية الدين، وإظهار طاعة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولم يزل كان عليه حِفْظ من الله تعالى ببركة دعاء النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فأين هذا من ذلك؟ ألا يرى أن عمر - رضي الله عنه - لمّا بلغة أن سعدًا بنى قصرًا أرسل شخصًا وحده ليهدمه، وذكر ابن أبي عاصم أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أرسل عبد الله بن أنس سرية وحده، وبعث عمرو بن أمية وحده عَيْنًا، وذكر ابن سعد أنه - صلى الله عليه وسلم - أرسل سالم بن عمير سرية وحده، وحمل الطبري الحديث على جواز السفر للرجل الواحد؛ إذا كان لا يَهُوله هَوْل، وإلا فممنوع من السفر وحده؛ خشية على عقله، أو يموت فلا يَدري خبره أحد، ولا يَشهده، كما قال عمر - رضي الله عنه -: أرأيتم إذا سافر وحده، فمات من أسأل عنه؟ قال: ويَحْتَمِل أن يكون النهي عن السفر وحده نهي تأديب، وإرشاد إلى ما هو الأَولى، وقال ابن التين: وحَمَله الشيخ أبو محمد على السفر الذي يَقصر فيه الصلاة. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: الذي يظهر لي أن سفر الرجل وحده إنما يُنهى عنه إذا كان خارج البلد، وأما ما كان داخل البلد، كما في قصّة الزبير، وحُذيفة -رضي الله عنهما-، فلا يشمله النهي، وكذا ما كان لغرض التجسّس على العدوّ، فلا يشمله؛ للضرورة؛ فتأمله بالإمعان، والله تعالى أعلم.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف -رَحِمَهُ اللهُ- أوّلَ الكتاب قال: