للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأمانة: ضد الخيانة، وهي عبارة عن قوَّة الرجل على القيام بحفظ ما يوكل إلى حفظه، ويخلِّي بينه وبينه، وهي مأخوذة من قولهم: ناقة أَمُون؛ أي: قوية على الحمل والسير، فكأنّ الأمين: هو الذي يوثَق به في حِفظ ما يوكل إلى أمانته حتى يؤدِّيه؛ لقوَّته على ذلك، وكان أبو عبيدة قد خصَّه الله تعالى من هذا بالحظ الأكبر، والنصيب الأكثر، بحيث شَهِد له بذلك المعصوم، وصار له ذلك الاسم، والعَلَم المعلوم، وقد ظهر ذلك من حاله للعيان حتى استوى في معرفته كل إنسان؛ وذلك أن عمر لَمّا قَدِم الشام متفقِّدًا أحوال الناس والأمراء، وفي خل منازلهم، وبحث عنهم أراد أن يدخل منزل أبي عبيدة وهو أمير على الشام، قد فُتحت عليه بلاده، وترادفت عليه فتوحاته، وخيراته، واجتمعت له كنوزه، وأمواله، فلما كلَّمه عمر -رضي الله عنه- في ذلك، قال له: يا أمير المؤمنين! والله لئن دخلت منزلي لتعصرنّ عينيك، فلما دخل منزلة لم يجد فيه شيئًا يردُّ البصر أكثر من سلاحه، وأداة رَحْل بعيره، فبكى عمر - رضي الله عنه -، وقال: صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنت أمين هذه الأمة"، أو كما قال.

وكان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قد أَخبر عن كل واحد من أعيان أصحابه - رضي الله عنهم - بما غلب عليه من أوصافه، وإن كانوا كلهم فضلاء، علماء، حكماء، مختارين لمختار، فقال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الترمذيّ من حديث أنس بن مالك: "أرحم أمي بأمتي: أبو بكر، وأشدّهم في أمر الله: عمر، وأصدقهم حياءً: عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام: معاذ، وأفرضهم: زيد، وأقرؤهم: أُبّي، ولكل أمَّة أمين، وأمين هذه الأمَّة: أبو عبيدة"، قال الترمذيّ: هذا حديث حسنٌ صحيحٌ.

ومن حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -: "ما أظلّت الخضراء، ولا أقلَّت الغبراء، أصدق لهجةً من أبي ذرّ" (١).

(وَإِنَّ أَمِينَنَا أَيَّتُهَا الأُمَّةُ) قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: هو منادى مفرد محذوف حرف النداء، والأمَّة: نعتُه مرفوعًا، والأفصح نَصْبها على الاختصاص، وحكى سيبويه: اللهم اغفر لنا أيتها العِصابةَ بالنصب. انتهى (٢).


(١) "المفهم" ٦/ ٢٩٣، وحديث: "ما أظلت الخضراء. . ." صحيح.
(٢) "المفهم" ٦/ ٢٩٣.