للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من أهل بيته. ({وَيُطَهِّرَكُمْ})، وقوله: ({تَطْهِيرًا (٣٣)}) مصدر فيه معنى التأكيد.

قال القرطبيّ رحمه الله: وقراءة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية دليل على أن أهل البيت المعنيّون في الآية هم الْمُغَطَّون بذلك المرط في ذلك الوقت، والرجس: اسم لكل ما يستقذَر، قاله الأزهريّ، والمراد بالرجس الذي أُذهب عن أهل البيت: هو مستخبَث الْخُلُق المذمومة، والأحوال الركيكة، وطهارتهم: عبارة عن تجنّبهم ذلك، واتصافهم بالأخلاق الكريمة، والأحوال الشريفة. انتهى (١).

وقال أبو السعود رحمه اللهُ في "تفسيره": {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} [الأحزاب: ٣٣]؛ أي: الذنب المدنِّس لعِرضكم، وهو تعليل لأمْرهنّ ونهيهنّ على الاستئناف، ولذلك عمَّم الحكم بتعميم الخطاب لغيرهنّ، وصرّح بالمقصود حيث قيل بطريق النداء، أو المدح: "أهل البيت" مرادًا بهم من حَوَاهم بيت النبوة، ويطهركم من أوضار الأوزار، والمعاصي {تَطْهِيرًا} بليغًا، واستعارةُ الرجس للمعصية، والترشيح بالتطهير لمزيد التنفير عنها، وهذه كما ترى آية بينة، وحجة نيّرة على كون نساء النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من أهل بيته، قاضية ببطلان رأي الشيعة في تخصيصهم أهل البيت بفاطمة، وعليّ وابنيهما -رضوان الله عليهم- وأما ما تمسكوا به من أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج ذات غدوة، وعليه مرط مرَجَّل من شعر أسود، وجلس، فأتت فاطمة فأدخلها فيه، ثم جاء عليّ، فادخله فيه، ثم جاء الحسن والحسين، فأدخلهما فيه، ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ}، فإنما يدلّ على كونهم من أهل البيت، لا على أن من عداهم ليسوا كذلك، ولو فُرضت دلالته على ذلك لَمَا اعتُدّ بها؛ لكونها في مقابلة النصّ. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: أراد بقوله: "في مقابلة النصّ" الآية المذكورة فإنها نصّ في كون أزواجه من أهل البيت، فدلالتها مقدّمة على ما دلّ عليه الحديث المذكور، وعندي أن التأويل الأول هو المعتمَد، وخلاصته أنه لا تنافي بين الآية وبين الحديث، فما دلّ عليه الحديث من أن أهل بيته هم الذين دخلوا في ذلك المرط لا ينافي كون غيرهم من أهل البيت.


(١) "المفهم" ٦/ ٣٠٢ - ٣٠٣.
(٢) "تفسير أبي السعود" ٧/ ١٠٣.