للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٣ - (ومنها): بيان أنه لا يجوز التبنّي الآن، قال في "العمدة": وعليه جماهير أهل العلم، وقام الإجماع على أنه لا يجوز تحويل النسب، وقد نسخ الله تعالى المواريث بالتبني بقوله: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} إلى قوله: {وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: ٥]، ولعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من انتسب إلى غير أبيه، فقال: "ومن ادَّعَى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلًا"، رواه مسلم (١).

وقال في "الفتح" بعد ذكر نحو ما تقدّم من تحريم التبنّي ما نصّه: فنُسب كل واحد إلى أبيه الحقيقيّ، وتُرك الانتساب إلى من تبناه، لكن بقي بعضهم مشهورًا بمن تبنّاه، فيُذكر به؛ لِقَصْد التعريف، لا لقصد النسب الحقيقيّ؛ كالمقداد بن الأسود، وليس الأسود أباه، وإنما كان تبناه، واسم أبيه الحقيقيّ: عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة البهرانيّ، وكان أبوه حليف كِنْدة، فقيل له: الكندقي، ثم حالف هو الأسود بن عبد يغوث الزهريّ، فتبنى المقداد، فقيل له: ابن الأسود. انتهى (٢).

٤ - (ومنها): أنه لا يجوز نسبة الشخص إلى من تبنّاه عمدًا، قال أبو عبد الله القرطبيّ رحمه الله: لو نسبه إنسان إلى أبيه من التبني، فإن كان على جهة الخطأ، وهو أن يسبق لسانه إلى ذلك من غير قصد، فلا إثم، ولا مؤاخذة؛ لقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: ٥]، وكذلك لو دعوت رجلًا إلى غير أبيه، وأنت ترى أنه أبوه، فليس عليك بأس، قاله قتادة، ولا يجرى هذا المجرى ما غلب عليه اسم التبني كالحال في المقداد بن عمرو، فإنه كان غلب عليه نسب التبني، فلا يكاد يعرف إلا بالمقداد بن الأسود، فإن الأسود بن عبد يغوث كان قد تبناه في الجاهلية، وعُرف به، فلما نزلت الآية قال المقداد: أنا ابن عمرو، ومع ذلك فبقي الإطلاق عليه، ولم يُسمع فيمن مضى مَن عَصَّى مُطْلِق ذلك عليه، وإن كان متعمدًا، وكذلك سالم مولى أبي حذيفة كان يُدْعَى لأبي حذيفة، وغير هؤلاء، ممن تُبَنِّي، وانتسب لغير أبيه، وشُهِر بذلك، وغَلَب عليه، وذلك بخلاف الحال في زيد بن حارثة، فإنه لا يجوز أن يقال فيه: زيد بن محمد، فإن قاله أحد


(١) "عمدة القاري" ١٣/ ٩٥.
(٢) "الفتح" ١٢/ ٥٥.