للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الطيبيّ رحمه الله: قوله: "فقد كنتم تطعنون … إلخ" هذا الجزاء إنما يترتّب على الشرط بتأويل التنبيه، والترشيح؛ أي: طَعْنكم الآن سبب لِأَنْ أخبركم أن ذلك من عادة الجاهليّة، وهِجِّيراهم، ومن ذلك طَعْنكم في أبيه من قبلُ، ونحوه قول تعالى: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} الآية [يوسف: ٧٧]. انتهى (١).

(مِنْ قَبْلُ)؛ أي: من قبل إمرة أسامة، وأشار به إلى إمارة زيد بن حارثة -رضي الله عنه - في غزوة مؤتة، وعند النسائيّ عن عائشة -رضي الله عنها - قالت: ما بَعَث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زيد بن حارثة في جيش قطّ، إلا أمّره عليهم. وفيه جواز إمارة المولى، وتولية الصغار على الكبار، والمفضول على الفاضل؛ لأنه كان في الجيش الذي كان عليهم أُسامة: أبو بكر وعمر -رضي الله عنهم - (٢).

وقال في "الفتح": قوله: "إن تطعنوا في إمرته، فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه"؛ أي: إن طعنتم فيه، فأُخبركم بأنكم طعنتم من قبلُ في أبيه، والتقدير: إن تطعنوا في إمرته فقد أثمتم بذلك؛ لأن طعنكم بذلك ليس حقًّا، كما كنتم تطعنون في إمرة أبيه، وظهرت كفايته، وصلاحيته للإمارة، وإنه كان مستحقًّا لها، فلم يكن لطعنكم مستنَد، فلذلك لا اعتبار بطعنكم في إمرة ولده، ولا التفات إليه، وقد قيل: إنما طعنوا فيه؛ لكونه مولى، وقيل: إنما كان الطاعن فيه من يُنسب إلى النفاق، وفيه نظر؛ لأن من جملة من سُمِّيَ ممن طَعَن فيه: عياش -بتحتانية، وشين معجمة- ابن أبي ربيعة المخزوميّ، وكان من مُسلِمة الفتح، لكنه كان من فضلاء الصحابة، فعلى هذا فالخطاب بقوله: "إن تطعنوا" لعموم الطاعنين، سواء اتحد الطاعن فيهما، أم اختَلَف.

وقوله: "إن كان لخليقًا"؛ أي: مستحقًّا، وقوله: "للإمرة" بكسر الهمزة، وفي رواية الكشميهنيّ: "للإمارة"، وهما بمعنى. انتهى (٣).

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "إن تطعنوا في إمرته … إلخ" هذا خطاب منه -صلى الله عليه وسلم- لمن وقع له ذلك الطعن، لكنه على كريم خُلُقه لم يعيِّنهم سَتْرًا لهم؛ إذ


(١) "الكاشف عن حقائق السُّنن" ١٢/ ٣٩٠٧.
(٢) "الفتح" ٨/ ٤٤٥.
(٣) "الفتح" ١٧/ ١٦ - ١٧، كتاب "الأحكام" رقم (٧١٨٧).