النجابة أن يمهّد الأمر، ويعطيه لمن يلي الأمر بعده؛ لئلا ينزع أحد من طاعته، وليعلم كلٌّ منهم أن العادات الجاهليّة قد عَمِيت مسالكها، وخفيت معالمها. انتهى (١)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الرابعة): في مسألة مهمة من مسائل علم النحو، تتعلّق بحديث الباب:
(اعلم): أنه وقع في رواية للبخاريّ بلفظ: "وإن كان من أحبّ الناس إليّ" بإسقاط اللام الفارقة، وكذا وقع في رواية ابن حبّان بلفظ:"إن كان خليقًا للإمارة" بإسقاطها، وقد تكلّم العلامة النحويّ ابن مالك رحمه الله في "شواهد التوضيح" بتحقيق هذه المسألة، وذلك بعد أن ذكر هذا الحديث، وحديث: عبد الله بن بُسر: "إن كنّا فرغنا في هذه الساعة"، وحديث: معاوية -رضي الله عنه -: "إن كان مِن أصدق هؤلاء المحدّثين"؛ يعني: كعب الأحبار، وقول نافع:"فكان ابن عمر -رضي الله عنهما - يُعطي - يعني: صدقة الفطر - عن الكبير والصغير حتى إن كان يعطي عن بَنِيَّ".
قال ابن مالك: تضمّنت هذه الأحاديث استعمال "إن" المخفّفة المتروكة العمل عاريًا ما بعدها من اللام الفارقة؛ لعدم الحاجة إليها، وذلك لأنه إذا خُفّفت "إنّ" صار لفظها كلفظ "إنْ" النافية، فيُخاف التباس الإثبات بالنفي عند تَرْك العمل، فألزموا تالي ما بعد المخفّفة اللام المؤكّدة مميّزة لها، ولا يُحتاج إلى ذلك إلا في موضع صالح للنفي والإثبات، نحو: إن علمتك فاضلًا، فاللام هنا لازمة؛ إذ لو حُذفت مع كون العمل متروكًا، وصلاحية الموضع للنفي لم يتيقّن الإثبات.
فلو لم يصلح الموضع للنفي جاز ثبوت اللام وحَذْفها.
فمن الحذف:"إن كنا فرغنا هذه الساعة"، و"إن كان من أحبّ الناس إليّ"، و"إن كان من أصدق هؤلاء"، و"إن كان يُعطي عن بَنِيَّ"، ومنه قول عائشة -رضي الله عنها -: "إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحبّ التيمّن"، وقول عامر بن ربيعة:"إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبعثنا، وما لنا طعام إلا السلف من التمر"، قال: حديث عائشة -رضي الله عنها - من "جامع المسانيد"، وحديث عامر -رضي الله عنه - من غريب الحديث.