للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

خفيفة أعلى البدن، وهو موضع الرداء، ممتلئة أسفله، وهو موضع الكساء، والأزرة، ويؤيده قولُها في بعض روايات الحديث: "مِلءُ إزارها"، قال القاضي: والأَولى أنها أرادت أن امتلاء منكبيها، وقيام نهديها يرفضان الرداء عن أعلى جسدها، فهو لا يمسه، كالفارغ منها، بخلاف أسفلها، كما قال الشاعر [من الطويل]:

أَبَتِ الرَّوادِفُ والثُّدِيُّ لِقُمْصِها … مَسَّ البُطُونِ وأَنْ تَمَسَّ ظُهُورا

وقولها: (وَعَقْرُ جَارَتِهَا) قال القرطبيّ -رحمه الله-: الرواية الصحيحة: بعين مهملة، مفتوحة، وقاف من العَقْر، وهو الجرح، أو الهلاك؛ تعني: أن ضرتها تموت من أجلها حسدًا، وغيظًا، أو ينعقر قلبها، وفي قولها: "ملء كسائها، وصفر ردائها، وغيظ جارتها" دليل لسيبويه على صحة ما أجازه من قوله: مررتُ برجلٍ حَسَنٍ وجهه، وهو ردٌّ على المبرّد، والزجَّاج، فإنَّهما منعا ذلك، وعلَّل الزجاجيّ المنع بإضافة الشيء إلى نفسه، وخطَّأَ سيبويه في إجازة ذلك، وقال: إنما أجازه سيبويه وحده، وقد أخطأ الزجَّاجي في هذا النقل في مواضع، أخطأ في المنع، وأخطأ في التعليل، وفي تخطئته سيبويه، وفي قوله: إنه لم يقل به غير سيبويه، وقد قال أبو الحسن بن خروف: إنَّه قال به طائفة لا يحصون، وفي قوله: إن جميع الناس خطَّؤوا سيبويه؛ وليس بصحيح، وكيف يخطأ في اللسان من تمسك بالسَّماع الصحيح؟ كما جاء في هذا الحديث المتفق على صحته، وقد جاء عن بعض الصَّحابة -رضي الله عنهم- في وصف النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "شَثَنٌ أصابعه"، وقد اتفق أهل اللسان على صحة قول الشاعر [من الطويل]:

أَمِنْ دِمْنتينِ عرَّجَ الرَّكْبُ فِيهِمَا … بِحَقْل الرُّخَامى قَدْ عَفَا طَلَلَاهُمَا

أقامَتْ عَلَى رَبْعَيهِما جَارَتَا صَفًا … كُمَيْتَا الأَعَالِي جَوْنتا مُصْطَلَاهُمَا

وقد تعسَّف المانع في تأويل هذا السماعِ بما تمجُّه الأسماع، ولتفصيل ذلك مبسوطات النحو، ومن تمسّك بالسماع، فرَدُّ حجَّته لا يستطاع. انتهى (١).

وقولها: (وَلَا تَنْقُثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا) أصل التنقيث: الإسراع، يقال: خرجت


(١) "المفهم" ٦/ ٣٤٦ - ٣٤٧.