للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فهذه رواياتٌ يعضد بعضها بعضًا، ويحصُلُ من مجموعها أنّ في رواية أبي عوانة وَهَمًا.

وقد ساقه يحيى بن حمّاد عنه، مختصرًا، ولفظه: "فأخذن قصبةً يتذارعنها، فماتت سودة بنت زمعة، وكانت كثيرة الصدقة، فعلمنا أنه قال: أطولكنّ يدًا بالصدقة"، هذا لفظه عند ابن حبّان، من طريق الحسن بن مدركٍ عنه. ولفظه عند النسائيّ، عن أبي داود، وهو الحرّانيّ، عنه: "فأخذن قصبةً، فجعلن يذرعنها، فكانت سودة أسرعهنّ به لحوقًا، وكانت أطولهنَّ يدًا، فكان ذلك من كثرة الصدقة". وهذا السياق لا يَحْتَمِل التأويل، إلَّا أنه محمولٌ على ما تقدّم ذكره من دخول الوهم على الراوي في التسمية خاصّة، والله أعلم. انتهى ما ذكره الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ - في "الفتح" (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تَبَيَّنَ بما ذُكر أنّ في رواية أبي عوانة المذكورة في هذا الباب وَهَمًا، وأن الصواب أن التي لحقت بالنبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أزواجه هي زينب بنت جحش - رضي الله عنها -، وأما سودة - رضي الله عنها - فإنما ذُكرت لطول يدها عند ذرع القصبة، وهو المعنى الحقيقيّ لطول اليد، لا لكونها أول من لحقت به - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لكثرة صدقتها، وهو المعنى المجازيّ لطول اليد المقصود هنا.

قال الحافظ السيوطيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وعندي أنه وقع في رواية المصنّف -يعني: النسائيّ - تقديمٌ وتأخيرٌ، وسَقَطَ لفظة "زينب"، وأنّ أصل الكلام: "فأخذن قَصَبَة، فجعلن يذرعنها، فكانت سودة أطولهنّ يدًا - أي: حقيقة - وكانت أسرعهنّ لحوقًا به زينب، وكان ذلك من كثرة الصدقة"، فأسقط الراوي لفظة "زينب"، وقدّم الجملة الثانية على الجملة الأولى. انتهى كلام الحافظ السيوطيّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "شرحه على النسائيّ"، وهو تحقيقٌ حسن جدًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.


(١) "الفتح" ٤/ ٢٤١ - ٢٤٤، كتاب "الزكاة" رقم (١٤٢٠).