للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الإضمار، مع أنه يصلح أن يكون المعنى: فعلمنا بعدُ أن الْمُخْبَرَ عنها إنما هي الموصوفة بالصدقة لموتها قبل الباقيات، فينظر السامع، ويبحث فلا يجد إلَّا زينب، فيتعيّن الحمل عليه، وهو من باب إضمار ما لا يصلح غيره، كقوله تعالى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص: ٣٢].

وقال الزين بن الْمُنَيِّر - رَحِمَهُ اللهُ -: وجه الجمع أنّ قولها: "فعلمنا بعدُ" يُشعر إشعارًا قويًّا أنّهنّ حملن طول اليد على ظاهره، ثمّ علمن بعد ذلك خلافه، وأنه كناية عن كثرة الصدقة، والذي علمنه آخرًا خلاف ما اعتقدنه أَوّلًا، وقد انحصر الثاني في زينب؛ للاتفاق على أنَّها أوّلهنّ موتًا، فتعيّن أن تكون هي المرادة، وكذلك بقيّة الضمائر بعد قوله: "فكانت"، واستغنى عن تسميتها لشهرتها بذلك. انتهى.

وقال الكرمانيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: يَحْتَمِل أن يقال: إن في الحديث اختصارًا، أو اكتفاءً بشهرة القصّة لزينب، ويؤول الكلام بأنّ الضمير رجع إلى المرأة التي علم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّها أوّل من يلحق به، وكانت كثيرة الصدقة.

قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: الأول هو المعتمَد، وكأنّ هذا هو السرّ في كون البخاريّ حَذَف لفظ سودة من سياق الحديث لَمَّا أخرجه في "الصحيح"؛ لِعِلْمه بالوَهَم فيه، وأنّه لَمَّا ساقه في "التاريخ" بإثبات ذِكرها ذَكَر ما يرُدّ عليه من طريق الشعبيّ أيضًا عن عبد الرَّحمن بن أبزى، قال: "صلّيت مع عمر على أمّ المؤمنين زينب بنت جحش، وكانت أوّل نساء النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحوقًا به". وقد تقدّم الكلام على تاريخ وفاتها في "كتاب الجنائز"، وأنّه سنة عشرين. وروى ابن سعد من طريق بزرة بنت رافع، قالت: "لَمّا خرج العطاء أرسل عمر إلى زينب بنت جحش بالذي لها، فتعجّبت، وسترته بثوب، وأمرت بتفرقته، إلى أن كشفت الثوب، فوجدت تحته خمسة وثمانين درهمًا، ثمّ قالت: اللَّهُمَّ لا يُدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا، فماتت، فكانت أوّل أزواج النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحوقًا به.

وروى ابن أبي خيثمة من طريق القاسم بن معن، قال: "كانت زينب أوّل نساء النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحوقًا به".