ويمكن الجواب بأن النقل مقيّدٌ بأهل السِّير، فلا يرد نَقْل قول من خالفهم من أهل النقل، ممن لا يدخل في زمرة أهل السير. وأما قول الواقديّ الذي تقدّم، فلا يصحّ، وقد تقدّم عن ابن بطّال أن الضمير في قوله:"فكانت" لزينب، وذكرتُ ما يعكر عليه.
لكن يمكن أن يكون تفسيره بسودة من بعض الرواة؛ لكون غيرها لَمْ يتقدّم له ذِكرٌ، فلما لَمْ يطّلع على قصّة زينب، وكونها أوّل الأزواج لحوقًا به، جعل الضمائر كلها لسودة، وهذا عندي من أبي عوانة، فقد خالفه في ذلك ابن عُيينة، عن فِرَاس، كما قرأت بخطّ ابن رشيد؛ أنه قرأه بخطّ أبي القاسم بن الورد، ولم أقف إلى الآن على رواية ابن عُيينة هذه، لكن روى يونس بن بُكير في "زيادات المغازي"، والبيهقيّ في "الدلائل" بإسناده عنه، عن زكريّا بن أبي زائدة، عن الشعبيّ التصريح بأن ذلك لزينب، لكن قصّر زكريَّا في إسناده، فلم يذكر مسروقًا، ولا عائشة، ولفظه:"قُلن النسوة لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيّنا أسرع بك لحوقًا؟ قال: أطولكنّ يدًا، فأخذن يتذارعن أيتهنّ أطول يدًا، فلما توفّيت زينب عَلِمنَ أنَّها كانت أطولهنّ يدًا في الخير والصدقة".
قال: ويؤيّده أيضًا ما روى الحاكم في "المناقب" من "مستدركه" من طريق يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة، قالت:"قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأزواجه: أسرعكن لُحوقًا بي أطولكنّ يدًا، قالت عائشة: فكنّا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نمدّ أيدينا في الجدار، نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفّيت زينب بنت جحش، وكانت امرأة قصيرة، ولم تكن أطولنا، فعرفنا حينئذ أنّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما أراد بطول اليد الصدقةَ، وكانت زينب امرأةً صناعة باليد، وكانت تدبغ، وتخرز، وتصدّق في سبيل الله". قال الحاكم: على شرط مسلم. انتهى.
وهي رواية مفسّرةٌ، مبينةٌ، مرجِّحةٌ لرواية عائشة بنت طلحة في أمر نسب.
قال ابن رُشيد: والدليل على أنَّ عائشة لا تعني سودة قولها: "فعلمنا بعدُ"؛ إذ قد أخبرت عن سودة بالطول الحقيقيّ، ولم تذكر سبب الرجوع عن الحقيقة إلى المجاز إلَّا الموت، فإذا طلب السامع سبب العدول لَمْ يجد إلَّا