للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قلب أحد من المسلمين شرًّا فيهلك، كما قال في حديث صفية المتقدِّم، ولئلا يجد المنافقون، وأهل الزيغ مقالًا؛ وإنما خصَّ أم سليم بالدُّخول عندها؛ لأنَّها كانت منه ذات محرمٍ بالرَّضاع كما تقدَّم، وليجبر قلبها من فَجْعتها بأخيها؛ إذ كان قد قُتِل معه في بعض حروبه، وأظنه يوم أُحد، ولمَا عَلِم النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من فضلها، كما دلَّ عليه رؤية النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إياها في الجَنَّة. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "وأظنه يوم أُحد" هذا غلط، والصواب: أنه شهد بدرًا، وأُحدًا، وإنما قُتل يوم بئر معونة، فليُتنبّه، والله تعالى وليّ التوفيق.

(فَإِنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا) قال الحميديّ: لعله أراد على الدوام، وإلا فقد تقدّم أنه كان يدخل على أم حرام - رضي الله عنها -، وقال ابن التين: يريد أنه كان يُكثر الدخول على أم سليم، وإلا فقد دخل على أختها أم حرام، ولعلها - أي: أم سليم - كانت شقيقة المقتول، أو وَجَدت عليه أكثر من أم حرام.

وتعقّب الحافظ هذا، فقال: لا حاجة إلى هذا التأويل، فإن بيت أم حرام، وأم سليم واحد، ولا مانع أن تكون الأختان في بيت واحد كبير، لكل منهما فيه معزل، فنُسب تارة إلى هذه، وتارة إلى هذه. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "فإن بيت أم حرام، وأم سليم واحد" يحتاج إلى ثبوت هذا، وإلا فما في تأويل ابن التين لا يخفى حُسنه، فتأمل، والله تعالى أعلم.

(فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ)؛ أي: قال له - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قائل: لماذا تكثر الدخول على أم حرام؟ وهذا القائل لَمْ يُعرف، كما قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ - (٣). (فَقَالَ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جوابًا عن هذا السؤال: ("إِنِّي أَرْحَمُهَا)؛ أي: إنما أُكثر الدخول عليها؛ لأني أرحمها، ثم ذَكَر الباعث على رحمته الخاصّة لها، فقال: (قُتِلَ أَخُوهَا) هو حرام بن مِلْحان - رضي الله عنه -، (مَعِي)؛ أي: مع عسكري، أو على أمري، وفي طاعتي، وليس المراد أنه قُتل في معركة كان فيها النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه قُتل في غزوة بئر معونة،


(١) "المفهم" ٦/ ٣٦٢ - ٣٦٣.
(٢) "الفتح" ٧/ ١١٣، كتاب "الجهاد" رقم (٢٨٤٤).
(٣) "الفتح" ٧/ ١١٣، كتاب "الجهاد" رقم (٢٨٤٤).