حديثًا، وهو آخر من مات من الصحابة - رضي الله عنهم - بالبصرة، وقد جاوز عمره المائة.
شرح الحديث:
(عَنْ أَنَسٍ) - رضي الله عنه -؛ أنه (قَالَ: مَاتَ ابْنٌ لأَبِي طَلْحَةَ) اسمه زيد بن سهل - رضي الله عنه - الأنصاريّ، (مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ) - رضي الله عنها -، والاسم المذكور هو أبو عمير الذي كان النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمازحه، ويقول له:"يا أبا عُمير ما فعل النُّغَير"، بَيّن ذلك ابن حبان في روايته من طريق عُمارة بن زاذان، عن ثابت، وزاد من طريق جعفر بن سليمان، عن ثابت في أوله قصة تزويج أم سليم بأبي طلحة، بشرط أن يُسلم، وقال فيه:"فحَمَلت فولدت غلامًا صبيحًا، فكان أبو طلحة يُحبّه حبًّا شديدًا، فعاش، حتى تحرّك، فمرِض فحَزِن أبو طلحة عليه حزنًا شديدًا، حتى تضعضع، وأبو طلحة يغدو، ويروح على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فراح روحة، فمات الصبيّ". (فَقَالَتْ) أم سُليم (لأَهْلِهَا) الذين كانوا في البيت، وشاهدوا موت الابن:(لَا تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بِابْنِهِ)؛ أي: بموت ابنه؛ لئلا يشتدّ حزنه، (حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ)؛ أي: بلطف، وتمهيد طريق لإخباره، وفي رواية الإسماعيليّ:"كان لأبي طلحة ولد، فتوفي، فأرسلت أم سليم أنسًا يدعو أبا طلحة، وأمرته أن لا يخبره بوفاة ابنه، وكان أبو طلحة صائمًا". (قَالَ) أنس: (فَجَاءَ) أبو طلحة، وفي رواية عند البخاريّ:"فمات، وأبو طلحة خارج، كما أي: خارج البيت عند النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أواخر النهار. (فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ عَشَاءً)؛ أي: لأنه كان صائمًا، كما في الرواية المذكورة، (فَأَكَلَ، وَشَرِبَ) وفي رواية للبخاريّ: "فلما جاء أبو طلحة قال: كيف الغلام؛ قالت: قد هدأت نفسه، وأرجو أن يكون قد استراح، وظنّ أبو طلحة أنَّها صادقة"، قال في "الفتح": قولها: "هدأت" بالهمز؛ أي: سكنت و"نفسه" بسكون الفاء، كذا للأكثر؛ والمعنى: أن النفس كانت قَلِقَة مُنزعجة بعارض المرض، فسكنت بالموت، وظن أبو طلحة أن مرادها أنَّها سكنت بالنوم؛ لوجود العافية، وفي رواية أبي ذر: "هَدَأَ نَفَسُهُ" بفتح الفاء؛ أي: سكن؛ لأنَّ المريض يكون نَفَسه عاليأ، فإذا زال مرضه سكن، وكذا إذا مات.
فقوله: "وظن أبو طلحة أنَّها صادقة"؛ أي: بالنسبة إلى ما فهمه من كلامها، وإلا فهي صادقة بالنسبة إلى ما أرادت.