النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخلها ليلة المعراج، وأما بلال فلا يلزم من هذه القصة أنه دخلها؛ لأنَّ قوله:"في الجَنَّة" ظرف للسماع، ويكون الدّفّ بين يديه خارجًا عنها. انتهى.
وتعقّبه الحافظ، فقال: ولا يخفى بُعد هذا الاحتمال؛ لأنَّ السياق مشعر لإثبات فضيلة بلال؛ لكونه جعل السبب الذي بلّغه إلى ذلك ما ذكره من ملازمة التطهر والصلاة، وإنما ثبتت له الفضيلة بأن يكون رُؤي داخل الجَنَّة، لا خارجًا عنها.
وقد وقع في حديث بريدة - رضي الله عنه -: "يا بلال، سبقتني إلى الجَنَّة؟ "، وهذا ظاهر في كونه رآه داخل الجَنَّة، ويؤيد كونه وقع في المنام حديث جابر - رضي الله عنه - مرفوعًا:"رأيتني دخلت الجَنَّة، فسمعت خشفة، فقيل: هذا بلال، ورأيت قصرًا بفنائه جارية، فقيل هذا لعمر. . ." الحديث، وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا:"بينا أنا نائم رأيتني في الجَنَّة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقيل: هذا لعمر. . ." الحديث.
فعُرِف أن ذلك وقع في المنام، وثبتت الفضيلة بذلك لبلال؛ لأنَّ رؤيا الأنبياء وحيٌّ، ولذلك جزم النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - له بذلك.
ومَشْيُهُ بين يدي النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان من عادته في اليقظة، فاتفق مثله في المنام، ولا يلزم من ذلك دخول بلال الجَنَّة قبل النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه في مقام التابع، وكأنه أشار - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى بقاء بلال على ما كان عليه في حال حياته، واستمراره على قُرْب منزلته، وفيه منقبة عظيمة لبلال - رضي الله عنه -. انتهى كلام الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ - (١)، وهو تحقيق نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: قال الحافظ: قول الكرمانيّ: لا يدخل أحد الجَنَّة إلَّا بعد موته، مع قوله: إن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخلها ليلة المعراج، وكان المعراج في اليقظة على الصحيح، ظاهرهما التناقض، ويمكن حمل النفي إن كان ثابتًا على غير الأنبياء، أو يُخصّ في الدنيا بمن خرج عن عالم الدنيا، ودخل في عالم
(١) "الفتح" ٣/ ٥٥٥ - ٥٥٦، كتاب "التهجّد" رقم (١١٤٩).