للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لازَمه ما لَمْ يعتقد أن ذلك سُنَّة راتبة له ولغيره، وهذا هو الذي منعه مالك حتى كره اختصاص شيء من الأيام، أو الأوقات بشيء من العبادات، من الصوم، والصلاة، والأذكار، والدعوات، إلَّا أن يعيّنه الشارع، ويدوم عليه، فأمَّا لو دام الإنسان على شيء من ذلك في خاصة نفسه، ولم يعتقد شيئًا من ذلك، كما فعله بلال في ملازمة الركعتين عند كل أذان، وفي ملازمة الطهارة دائمًا، لكان ذلك يفضي بفاعله إلى نعيم مقيم، وثواب عظيم.

وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بهما"؛ أي: بسبب ثواب ذينك الأمرين وصلت إلى ما رأيتُ من كونك معي في الجَنَّة. انتهى كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "فيه ما يدلّ على أنَّ استدامة بعض النوافل … إلخ" فيه نظر لا يخفى؛ إذ ملازمة شيء من العبادات التي لا تثبت عن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هي عين البدعة ذمّها الله - عَزَّ وَجَلَّ - في الآية السابقة: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ} الآية [الشورى: ٢١]، والتي حذّر منها - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديثه الصحيح، كما أخرجه الترمذيّ وغيره من حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه -، وفيه: ". . . فإنه من يعش منكم يرى اختلافًا كثيرًا، وإياكم ومحدثات الأمور، فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضّوا عليها بالنواجذ"، لفظ الترمذيّ.

فالحقّ ما قاله الإمام مالك - رَحِمَهُ اللهُ - من كراهة اختصاص شيء من الأيام، أو الأوقات بشيء من العبادات، وأما الاحتجاج بفعل بلال هذا فغير صحيح؛ لأنه اجتهد في زمن الوحي، فثبّته النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فصار سُنَّة ثابتة من هذه الناحية، وأما أن يفعل الآن شخص شيئًا مَما لا أصل له، فلا يجوز، فتبصّر بالإنصاف، فإن هذا المحلّ من مزالّ الأقدام، ولا يغرّنك كثرة المتشبّثين بمثل هذه البدعة؛ إذ الحقّ لا يُعرف بالأكثريّة، وإنما يُعرف بأدلّته، وإن كان القائلون به قلّة، قال الله تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (١١٦)} [الأنعام: ١١٦]، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.


(١) "المفهم" ٦/ ٣٦٨ - ٣٦٩.