للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والشهوات، والانتفاع بكل لذيذ من مطعم، ومشرب، ومَنْكَح، وإن بُولِغَ فيه، وتُنُوهِيَ في ثَمَنه.

وهذه الآية نظير قوله تعالى: {لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: ٨٧]، ونظير قوله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: ٣٢]. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "وإن بولغ فيه … إلخ" هذا بشرط أن لا يدخل في الإسراف، وإلا حَرُم، فقد أخرج النسائيّ، وغيره عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كلوا، وتصدقوا، والبسوا، في غير إسراف، ولا مَخِيلة"، حديث صحيح، وعلَّقه البخاريّ بصيغة الجزم، فقد أباح الأكل والشرب، والتصدّق بشرط الخلوّ عن أمرين، وهما: الإسراف، والمخيلة؛ أي: الخيلاء، وهو التكبّر، ومعناه: أنه إذا لَمْ يَخْلُ عنهما، أو عن أحدهما فإنه لا يجوز، والله تعالى أعلم.

٣ - (ومنها): ما قيل في سبب نزول هذه الآية الكريمة، أخرج البخاريّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "صحيحه"، عن أنس - رضي الله عنه -؛ أن الخمر التي أهريقت: الفَضِيخ، قال: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، فنزل تحريم الخمر، فأمر مناديًا، فنادي، فقال أبو طلحة: اخرُج، فانظر ما هذا الصوت؟ قال: فخرجت، فقلت: هذا منادٍ ينادي: إلا إن الخمر قد حُرّمت، فقال لي: اذهب، فأهرقها، قال: فَجَرت في سكك المدينة، قال: وكانت خمرهم يومئذ الفَضِيخ، فقال بعض القوم: قُتل قوم، وهي في بطونهم، قال: فأنزل الله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: ٩٣] الآية.

وقال أبو عبد الله القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قال ابن عباس، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك: إنه لمّا نزل تحريم الخمر قال قوم من الصحابة: كيف بمن مات منا، وهو يشربها، ويأكل الميسر؟ - ونحو هذا - فنزلت الآية. انتهى (٢).

٤ - (ومنها): ما قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - اللهُ: هذه الآية، وهذا الحديث -يعني: حديث البخاريّ المذكور - نظير سؤالهم عمن مات إلى القبلة الأولى، فنزلت:


(١) "تفسير القرطبيّ" ٦/ ٢٩٦.
(٢) "تفسير القرطبيّ" ٦/ ٢٩٣.