للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بكتاب الله، وفيه شدّة حرصه على الاستزادة من العلم، فلو وجد أحدًا أعلم منه لرحل إليه، وأخذ منه.

(قَالَ شَقِيقٌ)؛ أي: ابن سلمة بالإسناد المذكور: (فَجَلَسْتُ فِي حَلَقِ أَصحَابِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -) "الْحَلَق" بفتح الحاء واللام، ويقال: بكسر الحاء وفتح اللام، قال القاضي: وقالها الحربيّ: بفتح الحاء، وإسكان اللام، وهو جمع حَلْقة بإسكان اللام، على المشهور، وحَكَى الجوهريّ وغيره فَتْحها أيضًا، واتفقوا على أن فَتْحها ضعيف، فعلى قول الحربيّ هو كتَمْر وتَمْرة، قاله النوويّ -رحمه الله - (١).

(فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَرُدُّ ذَلِكَ عَلَيْه، وَلَا يعِيبُهُ) بفتح أوله ثلاثيًّا، من العيب، وفي رواية البخاريّ: "فما سمعت رادًّا يقول غير ذلك"، قال في "العمدة": قوله؟ "رادًّا"؛ أي: عالِمًا يرُدّ الأقوال؛ لأن ردّ الأقوال لا يكون إلا للعلماء، وغرضه: أن أحدًا لم يردّ عليه هذا الكلام، بل سلموا إليه. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": يعني: أنه لم يسمع من يخالف ابن مسعود يقول غير ذلك، أو المراد: من يردّ قوله ذلك، وفي رواية أبي شهاب: "فلما نزل عن المنبر جلست في الحلق، فما أحدٌ يُنكر ما قال"، وهذا يُخَصِّص عموم قوله: "أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - بمن كان منهم بالكوفة".

ولا يعارض ذلك ما أخرجه ابن أبي داود، من طريق الزهريّ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن عبد الله بن مسعود، فذكر نحو حديث الباب، وفيه: قال الزهريّ: فبلغني أن ذلك كرهه من قول ابن مسعود رجال من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه محمول على أن الذين كَرِهوا ذلك من غير الصحابة الذين شاهدهم شقيق بالكوفة.

ويَحْتَمِل اختلاف الجهة، فالذي نَفَى شقيق أن أحدًا ردّه، أو عابه: وَصْف ابن مسعود بأنه أعلمهم بالقرآن، والذي أثبته الزهريّ: ما يتعلق بأمره بِغَلِّ المصاحف، وكأن مراد ابن مسعود بغَلّ المصاحف كَتْمها، وإخفاؤها؛ لئلا تَخْرج، فتُعْدَم، وكأن ابن مسعود رأى خلاف ما رأى عثمان، ومن وافقه في


(١) "شرح النوويّ" ١٦/ ١٦.
(٢) "عمدة القاري" ٢٠/ ٢٥.