للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المذكورة: بيان السبب في قول ابن مسعود هذا، ولفظه: "لمّا أُمر بالمصاحف أن تُغَيَّر ساء ذلك عبد الله بن مسعود، فقال: "من استطاع. . ." وقال في آخره: "أفأترك ما أخذت من في رسول الله -صلى الله عليه وسلم - … وفي رواية له: "فقال: إني غالّ مصحفي، فمن استطاع أن يغلّ مصحفه فليفعل"، وعند الحاكم من طريق أبي ميسرة، قال: رُحت، فإذا أنا بالأشعريّ، وحذيفة، وابن مسعود، فقال ابن مسعود: والله لا أدفعه -يعني: مصحفه- أقرأني رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، فذَكَره. انتهى (١).

(وَلَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - أنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ) قال القرطبيّ -رحمه الله -: يعني: أنه أعلمهم بأسباب نزوله، ومواقع أحكامه، بدليل قوله في الرواية الأخرى: "ما من كتاب الله سورة إلا وأنا أعلم حيث نزلت، وما من آية إلا أعلم فيما أُنزلت"، وسَبَبُ ذلك ملازمته للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ومباطنته إيَّاه سفرًا وحضرًا؛ كما قدَّمنا، وأما في القراءة فأُبيٌّ أقرأ منه، بدليل قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم -: "أقرؤكم أُبَيّ" (٢)، والخطابُ للصحابة كلُّهم. انتهى (٣).

وفي رواية البخاريّ: "والله لقد عَلِم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أني من أعلمهم بكتاب الله، وما أنا بخيرهم"، قال في "الفتح": وقع في رواية عبدة، وأبي شهاب جميعًا عن الأعمش: "أني أعلمهم بكتاب الله" بحذف "من وزاد: "ولو أعلم أن أحدًا أعلم مني لرحلت إليه"، وهذا لا ينفي إثبات "مِنْ"، فإنه نفى الأغلبية، ولم يَنْف المساواة.

وقوله: "وما أنا بخيرهم" يُستفاد منه أن الزيادة في صفة من صفات الفضل لا تقتضي الأفضلية المطلقة، فالأعلمية بكتاب الله لا تستلزم الأعلمية المطلقة، بل يَحْتَمِل أن يكون غيره أعلم منه بعلوم أخرى، فلهذا قال: "وما أنا بخيرهم". انتهى (٤).

(وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ مِنِّي لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ) هذا تأكيد لكونه أعلمَهم


(١) "الفتح" ١١/ ٢٢٥ - ٢٢٦.
(٢) رواه أحمد في "مسنده" ٣/ ١٨٤، والترمذيّ ٣٧٩٠، وابن ماجه ١٥٥.
(٣) "المفهم" ٦/ ٣٧٥.
(٤) "الفتح" ١١/ ٢٢٥ - ٢٢٦.