للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أعظم الأمور على عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه -: أن الصحابة -رضي الله عنهم - لمّا عزموا على كَتْب المصحف بِلُغَةِ قريش عيَّنوا لذلك أربعة لم يكن منهم ابن مسعود، فكتبوه على لغة قريش، ولم يُعَرِّجوا على ابن مسعود مع أنه أسبقهم لِحِفظ القرآن، ومِنْ أعلمهم به، كما شهدوا له بذلك، غير أنه -رضي الله عنه - كان هُذليًا كما تقدم، وكانت قراءته على لغتهم، وبينها وبين لغة قريش تباين عظيم، فلذلك لم يُدخلوه معهم، والله تعالى أعلم. انتهى (١).

ثم علّل إنكاره بقوله: (فَلَقَدْ قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -)؛ أي: أخذت القراءة من فيه - صلى الله عليه وسلم - إلى فيّ مشافهةً، فكيف أتركها، وأقرأ بما لم آخذه منه؟ (بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً) قال الفيّوميّ -رحمه الله -: البِضْعٌ في العدد بالكسر، وبعض العرب يَفتح، واستعماله من الثلاثة إلى التسعة، وعن ثعلب: من الأربعة إلى التسعة، يستوي فيه المذكّر والمؤنّث، فيقال: بِضْعُ رجال، وبِضْعُ نسوة، ويُستعمل أيضًا من ثلاثة عشر إلى تسعة عشر، لكن تَثبت الهاء في بِضْعٍ مع المذكر، وتُحذف مع المؤنث؛ كالنَّيِّف، ولا يُستعمل فيما زاد على العشرين، وأجازه بعض المشايخ، فيقول: بِضْعَة وعشرون رجلًا، وبِضْعٌ وعشرون امرأةً، وهكذا قاله أبو زيد، وقالوا: على هذا معنى البِضْع، والبِضْعَةِ في العدد قطعةٌ مبهمةٌ غير محدودة. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": قوله: "لقد أخذت من في رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بضعًا وسبعين سورةً" زاد عاصم عن بدر، عن عبد الله: "وأخذت بقية القرآن عن أصحابه"، وعند إسحاق بن راهويه في روايته المذكورة في أوله: " {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: ١٦١] ثم قال: على قراءة من تأمرونني أن أقرأ، وقد قرأت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم -. . ." فذكر الحديث، وفي رواية النسائيّ، وأبي عوانة، وابن أبي داود، من طريق ابن شهاب، عن الأعمش، عن أبي وائل، قال: "خطبنا عبد الله بن مسعود على المنبر، فقال: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} غُلُّوا مصاحفكم، وكيف تأمرونني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت، وقد قرأت من في رسول الله -صلى الله عليه وسلم -؟ "، مثله. وفي رواية خُمير بن مالك


(١) "المفهم" ٦/ ٣٧٤.
(٢) "المصباح المنير" ١/ ٥٠ - ٥١.