للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ: وفي غالب هذه الاحتمالات تكلّف، ولا سيما الأخير، وقد أومأت قبل هذا إلى احتمال آخر، وهو أن المراد: إثبات ذلك للخزرج دون الأوس فقط، فلا ينفي ذلك عن غير القبيلتين، من المهاجرين، ومن جاء بعدهم، ويَحْتَمِل أن يقال: إنما اقتصر عليهم أنس لتعلّق غرضه بهم، ولا يخفى بُعْدُه.

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن أحسن الأجوبة حَمْل نفي أنس غير هؤلاء الأربعة على عِلمه، فإنه -رضي الله عنه- علم يقينًا أن هؤلاء الأربعة جمعوه كلّه، بأن أخبره كلهم بذلك، ولم يكن لديه يقين بجمع غيرهم، فلذلك قال: لم يجمعه غيرهم، أو المراد: أنهم جمعوه كلّه في حياته - صلى الله عليه وسلم -، كما يدلّ عليه قوله: "على عهد النبيّ -صلى الله عليه وسلم-"، وغيرهم إنما جمعه بعد موته - صلى الله عليه وسلم -.

والحاصل: أن النفي لعلمه، لا للواقع، فإن الواقع بخلافه، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

(المسألة الرابعة): قال الحافظ -رحمه الله-: والذي يظهر من كثير من الأحاديث أن أبا بكر -رضي الله عنه- كان يحفظ القرآن في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد ثبت في "الصحيح" أنه بنى مسجدًا بفناء داره، فكان يقرأ فيه القرآن، وهو محمول على ما كان نزل منه إذ ذاك، وهذا مما لا يُرتاب فيه مع شدة حرص أبي بكر على تلقي القرآن من النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وفراغ باله له، وهما بمكة، وكثرة ملازمة كل منهما للآخر، حتى قالت عائشة -رضي الله عنها-: كان - صلى الله عليه وسلم - يأتيهم بكرة وعشية، وقد "صحح مسلم" حديث: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله"، وصحّ أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا بكر أن يؤم في مكانه لَمّا مرض، فيدل على أنه كان أقرأهم، وثبت عن عليّ -رضي الله عنه- أنه جَمَع القرآن على ترتيب النزول عقب موت النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأخرج النسائيّ بإسناد صحيح عن عبد الله بن عَمرو قال: جمعت القرآن، فقرأت به كل ليلة، فبلغ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "اقرأه في شهر. . ." الحديث، أصله في "الصحيح"، وتقدم في الحديث الذي مضى ذِكر ابن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وكل هؤلاء من المهاجرين.

وقد ذكر أبو عبيد القراء من أصحاب النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فعَدّ من المهاجرين: الخلفاء الأربعة، وطلحة، وسعدًا، وابن مسعود، وحذيفة، وسالمًا، وأبا