للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَجْنِزُهُ، من باب ضرب: سترتُهُ، ومنه اشتقاق الجنازة، وهي بالفتح، والكسر، والكسر أفصح، وقال الأصمعيّ، وابن الأعرابيّ: بالكسر: الميت نفسه، وبالفتح: السرير، ورَوَى أبو عمر الزاهد، عن ثعلب عكس هذا، فقال: بالكسر: السرير، وبالفتح: الميت نفسه. انتهى (١).

("اهْتَزَّ لَهَا)؛ أي: لأجل هذه الجنازة، (عَرْشُ الرَّحْمَنِ") قال القرطبيّ -رحمه الله-: حَمَل بعض العلماء هذا الحديث على ظاهره، من الاهتزاز، والحركة، وقال: هذا ممكن؛ لأنَّ العرش جسم، وهو قابل للحركة والسُّكون، والقدرة صالحة، وكانت حركته عَلَمًا على فضله، وحَمَله آخرون على حَمَلة العرش، وحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، ويكون الاهتزاز منهم استبشارًا بقدوم روحه الطيبة، وفرحًا به، وحَمَله آخرون على تعظيم شأن وفاته، وتفخيمه على عادة العرب في تعظيمها الأشياء، والإغياء في ذلك، فيقولون: قامت القيامة لموت فلان، وأظلمت الأرض، وما شاكل ذلك، مِمَّا المقصود به التعظيم والتفخيم، لا التحقيق، وإليه صار الحربيّ، وكل هذا مُنزَّل على أن العرش هو المنسوب لله تعالى في قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)} [طه: ٥]، وهو ظاهر قوله: "اهتز عرش الرحمن لموت سعد".

وقد رُوي عن ابن عمر -رضي الله عنه-؛ أن العرش هنا سرير الموت، قال القاضي: وكذلك جاء في حديث البراء في "الصحيح": "اهتز السَّرير"، وتأوله الهرويّ: فَرِح بحَمْله عليه. انتهى (٢).

وقال النوويّ -رحمه الله-: اخَتَلف العلماء في تأويل هذا الحديث، فقالت طائفة: هو على ظاهره، واهتزاز العرش: تحرّكه فرحًا بقدوم روح سعد، وجعل الله تعالى في العرش تمييزًا حصل به هذا، ولا مانع منه، كما قال تعالى: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة: ٧٤]، وهذا القول هو ظاهر الحديث، وهو المختار.

وقال المازريّ: قال بعضهم: هو على حقيقته، وأن العرش تحرك لموته، قال: وهذا لا يُنْكَر من جهة العقل؛ لأن العرش جسم من الأجسام، يَقبل


(١) "المصباح المنير" ١/ ١١١.
(٢) "المفهم" ٦/ ٣٨٢ - ٣٨٣.