الحركة والسكون، قال: لكن لا تحصل فضيلة سعد بذلك، إلا أن يقال: إن الله تعالى جعل حركته علامة للملائكة على موته.
وقال آخرون: المراد: اهتزاز أهل العرش، وهم حَمَلَتُه، وغيرهم من الملائكة، فحُذف المضاف، والمراد بالاهتزاز: الاستبشار، والقبول، ومنه قول العرب: فلان يهتز للمكارم، لا يريدون اضطراب جسمه وحركته، وإنما يريدون ارتياحه إليها، وإقباله عليها.
وقال الحربيّ: هو كناية عن تعظيم شأن وفاته، والعرب تنسب الشيء المعظَّم إلى أعظم الأشياء، فيقولون: أظلمت لموت فلان الأرض، وقامت له القيامة.
وقال جماعة: المراد: اهتزاز سرير الجنازة، وهو النعش، وهذا القول باطل، يرُدّه صريح هذه الروايات التي ذَكَرها مسلم:"اهتز لموته عرش الرحمن"، وإنما قال هؤلاء هذا التأويل؛ لكونهم لم تَبْلُغهم هذه الروايات التي في مسلم، والله أعلم. انتهى كلام النوويّ -رحمه الله- وهو تحقيق نفيسٌ جدًّا.
خلاصته: أن الحديث على ظاهره، وأن اهتزاز العرش: اضطرابه فرحًا بقدوم روح سعد -رضي الله عنه- إليه، وأما تأويله كما قال بعضهم فغير صحيح، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
وأخرج البخاريّ من طريق الأعمش، عن أبي سفيان عن جابر -رضي الله عنه-، سمعت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يقول:"اهتزّ العرش لموت سعد بن معاذ"، وعن الأعمش: حدّثنا أبو صالح، عن جابر، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، مثله، فقال رجل لجابر: فإن البراء يقول: اهتز السرير، فقال: إنه كان بين هذين الحيين ضغائن، سمعت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يقول:"اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ". انتهى.
قال في "الفتح": قوله: "فقال رجل لجابر" لم أقف على اسمه.
قوله:"فإن البراء يقول: اهتز السرير"؛ أي: الذي حُمل عليه.
قوله:"إنه كان بين هذين الحيين"؛ أي: الأوس والخزرج.
قوله:"ضغائن" بالضاد، والغين المعجمتين: جمع ضغينة، وهي الحقد، قال الخطابيّ: إنما قال جابر ذلك؛ لأن سعدًا كان من الأوس، والبراء خزرجيّ، والخزرج لا تُقِرّ للأوس بفضل.