للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - خوفًا عليهم من أن يميلوا بذلك إلى الدنيا، ويستحسنوها في طباعهم، فزهّدهم عنها، ورغّبهم في الآخرة، حيث قال لهم: ("أتعْجَبُونَ مِنْ لِينِ هَذِهِ؟ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ) قال الطيبيّ: مناديل جمع منديل، وهو الذي يُحمَل في اليد، وقال ابن الأعرابيّ وغيره: هو مشتقّ من الندل، وهو النقل؛ لأنه يُنقل من واحد، وقيل: من الندل، وهو الوسخ؛ لأنه يُندل به. انتهى.

وقال الفيّوميّ -رحمه الله-: المِنْدِيلُ مذكّر، قاله ابن الأنباريّ، وجماعة، ولا يجوز التأنيث؛ لعدم العلامة في التصغير، والجمع، فإنه لا يقال: مُنَيْدِيلَةٌ، ولا منْدِيلاتٌ، ولا يوصف بالمؤنَّث، فلا يقال: مِنْدِيلٌ حسنة، فإنّ ذلك كله يدلّ على تأنيث الاسم، فإذا فُقدت علامة التأنيث مع كَوْنَها طارئة على الاسم، تعيَّن التَّذْكيرُ الذي هو الأصل، وتَمَنْدَلْتُ بِالمِنْدِيل، وتَنَدَّلْتُ: تمسّحت به، وحَذْف الميم أكثر، وأنكر الكسائيّ تَمَنْدَلْتُ بالميم، ويقال: هو مشتق من ندلت الشيءَ نَدْلًا، من باب قتل: إذا جذبته، أو أخرجته، ونقلته. انتهى (١).

قال في "العمدة": تخصيص سعد به قيل: لأنه كان يُعجبه ذلك الجنس من الثوب، أو لأجل كون اللامسين المتعجبين من الأنصار، فقال: مناديل سيدكم خير منها.

وإنما ضَرَب المثل بالمناديل؛ لأنها ليست من عِلْية الثياب، بل هي تُبتذل في أنواع من المرافق، يُتمسح بها الأيدي، ويُنفض بها الغبار عن البَدَن، ويُعطى بها ما يُهْدَى، وتُتخذ لفائف للثياب، فصار سبيلها سبيل الخادم، وسبيل سائر الثياب سبيل المخدوم، فإذا كان أدناها هكذا، فما ظنك بعِلْيتها؟. انتهى (٢).

(فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْهَا، وَأليَنُ") قال القرطبيّ -رحمه الله-: هذه إشارة إلى أدنى ثياب سعد في الجنة؛ لأنَّ المناديل إنما هي مُمتهَنة متَّخذة لِمَسح الأيدي بها من الدَّنس والوسخ، وإذا كان هذا حال المنديل، فما ظنُّك بالعمامة والحلة؟! ولا يُظَنُّ طعام الجنة وشرابها فيهما ما يدنِّس يد المتناول، حتى يحتاج إلى منديل؛ فإنَّ هذا ظنّ من لا يعرف الجنة، ولا طعامها، ولا شرابها؛ إذ قد نَزّه الله الجنة عن ذلك كله، وإنما ذلك إخبارٌ بأن الله أعدَّ في الجنة كل ما كان


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٥٩٨.
(٢) "عمدة القاري" ١٦/ ٢٦٧.