للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَزِيدَ فِي نَفْيٍ وَشِبْهِهِ فَجَرّ … نَكِرَةً كَـ "مَا لِبَاغٍ مِنْ مَفَرّ"

(قَالُوا: نَعَمْ فلَانًا)؛ أي: نفقد فلانًا، ولم يسمَّ، والاثنان بعده. (وَفُلَانًا، وَفُلَانًا، ثُمَّ قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - مرّة ثانيةً: ("هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ "، قَالُوا: نَعَمْ فُلَانًا، وَفُلَانًا، وَفُلَانًا، ثُمَّ قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - مرّة ثالثةً: ("هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ "، قَالُوا: لَا)؛ أي: لا نفقد غير هؤلاء الذين ذكرناهم.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "هل تفقدون أحدًا؟ " هذا الاستفهام ليس مقصوده استعلامَ كونهم فقدوا أحدًا ممن يعزّ عليهم فَقْده؛ إذ ذاك كان معلومًا له بالمشاهدة، وإنما مقصوده التَّنويه والتَّفخيم بمن لم يَحْتفلوا به، ولا التفتوا إليه؛ لكونه كان غامضًا في الناس، ولكون كل واحدٍ منهم أصيب بقريبه، أو حبيبه، فكان مشغولًا بمُصابِه، لم يتفرَّغ منه إلى غيره، ولَمَّا أطلع الله تعالى نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - على ما كان من جليبيب - رضي الله عنه - من قَتْله السَّبعة الذين وُجدوا إلى جنبه، نوَّه باسمه، وعرَّف بقَدْره، فقال: "لكني أفقدُ جُليبيبًا"؛ أي: فقدُهُ أعظم من فَقْد كل من فُقِد، والمصاب به أشدّ، ثم إنه أقبل بإكرامه عليه، ووسَّده ساعديه مبالغة في كرامته، ولتناله بركة ملامسته - صلى الله عليه وسلم -. انتهى (١).

(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: ("لَكِنِّي أفقِدُ جُلَيْبِيبًا"، فَاطْلُبُوهُ، فَطُلِبَ) بالبناء للمفعول، (فِي الْقَتْلَى) بفتح، فسكون، مقصورًا: جَمْع قتيل، (فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ) من المشركين (قَدْ قَتَلَهُمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَأَتَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -) ببناء الفعل للفاعل، وفي بعض النسخ: "فأتاه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -"، (فَوَقَفَ عَلَيْه، فَقَالَ): ("قَتَلَ سَبْعَةً، ثُمَّ قَتَلُوهُ، هَذَا)؛ أي: جُليبيب (مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُ، هَذَا مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُ") كرّره للتأكيد. (قَالَ) أبو برزة - رضي الله عنه -: (فَوَضَعَهُ) - صلى الله عليه وسلم - (عَلَى سَاعِدَيْهِ) تثنية ساعد، وهو من الإنسان: ما بين الْمِرْفق والكفّ، وهو مذكّرٌ، سُمّي ساعدًا؛ لأنه يساعد الكفّ في بطشها (٢). (لَيْسَ لَهُ إِلَّا سَاعِدَا النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) وفي بعض النُّسخ: "ليس له سرير إلا ساعدا النبيّ - صلى الله عليه وسلم -". (قَالَ) أبو برزة: (فَحُفِرَ لَهُ) بالبناء للمفعول؛ أي: حفر الصحابة الحاضرون في ذلك المكان حُفرة؛ ليدفنوه فيها، (وَوُضِعَ) بالبناء


(١) "المفهم" ٦/ ٣٨٩ - ٣٩٠.
(٢) "المصباح المنير" ١/ ٢٧٧.