للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَقَالَ أُنَيْسٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ) الظاهر: أن أنيسًا قال هذا عندما كانوا مقيمين بموضع قريب من مكة. (فَاكْفِنِي)؛ أي: قُمْ بالأمر الذي أقوم به هنا. (فَانْطَلَقَ أُنَيْسٌ، حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَرَاثَ عَلَيَّ)؛ أي: أبطأ، وتأخّر عن الرجوع، (ثُمَّ جَاءَ) قال أبو ذرّ (فَقُلْتُ) له: (مَا صَنَعْتَ؟) "ما" استفهاميّة؛ أي: أيّ شيء صنعت؟ (قَالَ) أنيس: (لَقِيتُ رَجُلًا) يريد النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، (بمَكَّةَ عَلَى دِينِكَ)؛ أي: على التوحيد، ونفي الأضداد، والأنداد، (يَزْعُمُ)؛ أَي: يقول، وإنما عبّر بزعم؛ لكونه غير مسلم وقتئذ، (أَنَّ اللهَ) تعالى (أَرْسَلَهُ) قال أبو ذرّ: (قُلْتُ: فَمَا يَقُولُ النَّاسُ؟) في شأنه، هل استجابوا له، أو خالفوه، وعادوه؟ (قَالَ) أنيس: (يَقُولُونَ) هو (شَاعِرٌ، كَاهِنٌ، سَاحِرٌ)؛ أي: قال بعضهم: شاعر، وقال بعضهم: كاهن، وقال بعضهم: ساحر، (وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ) الذين يميّزون الشعر وغيره. (قَالَ أُنَيْسٌ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَة، فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ، وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشّعْرِ) وفي نسخة: "أقراء الشعراء"، والأقراء: بالفتح: جمع قَرْء بفتح القاف، وسكون الراء، وهو في اللغة: القافية، وأقراء الشعر: أنواعه، وأنحاؤه، كما في "القاموس"، والمراد: إني قارنت بين قوله، وبين أنواع الشعر.

وقال القرطبيّ: قوله: "على أقراء الشعر" قال ابن قتيبة: يريد أنواعه، وطُرقه، واحدها: قَرْء، فيقال: هذا الشعر على قَرْء هذا.

وقال أيضًا: "على أقراء الشعر" كذا الرواية الصحيحة: أقراء بالراء، جَمْع قَرْءٍ على ما تقدم، وقئده العذريّ: أقواء بالواو، ورواه بعضهم بالواو وكسر الهمزة، قال القاضي: لا وجه له. انتهى (١).

(فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ بَعْدِي أَنَّهُ شِعْرٌ) مراده: أني تيقّنت بأن ما يقوله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس شعرًا، وكذلك لا يستطيع أحد غيري أن يجعله شعرًا (٢).

وقال القرطبيّ: قوله: "فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر" هكذا الرواية عند جميع الشيوخ "بعدي" بالباء بواحدة، والعين المهملة بمعنى غيري،


(١) "المفهم" ٦/ ٣٩٣ - ٣٩٤.
(٢) راجع: "التكملة" ٥/ ٢١٤.