للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يقال: ما فعل هذا أحد بعدك؛ أي: غيرك، كما يقال ذلك في "دُون"، وهو كثيرٌ فيها.

ومعنى الكلام: أنه لمّا اعتبر القرآن بأنواع الشعر تبيَّن له أنه ليس من أنواعه، ثم قَطَع بأنه لا يصح لأحد أن يقول: إنه شعر، ووقع في بعض النُّسخ: يَقْرِي بفتح الياء، قال القاضي: وهو جيّد، وأحسن منه: يُقْرِي، بضمها، وهو مِمَّا تقدَّم، يقال: أقرأت في الشعر، وهذا الشعر على قَرْء هذا، وقرؤه؛ أي: قافيته، وجَمْعها: أقراء، وفي بعض النُّسخ أيضًا: "على لسان أحد يُعْزَى إلى شعر"؛ أي: يُنسب إليه، ويوصف به، وللروايات كلها وجه. انتهى (١).

(وَاللهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ) في قوله: إن الله أرسله، (وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) في قولهم: شاعر، كاهن، ساحر.

(قَالَ) أبو ذرّ - رضي الله عنه -: (قُلْتُ: فَاكْفِنِي)؛ أي: كن أنت قائمًا بما قمت به أنا، (حَتَّى أَذْهَبَ) إلى مكة (فَأَنْظُرَ) حال هذا الرسول، وصِدْقه في دعواه، فأتّبعه على دينه. (قَالَ) أبو ذرّ: (فَأَتَيْتُ مَكَّةَ، فَتَضَعَّفْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ)؛ يعني: نظرت إلى أضعفهم، فسألته؛ لأن الضعيف مأمون الغائلة غالبًا، وفي رواية ابن ماهان: "فتضيّفت" بالياء، وأنكرها القاضي وغيره، قالوا: لا وجه له هنا (٢).

(فَقُلْتُ: أَيْنَ هَذَا الَّذِي تَدْعُونَهُ الصَّابِئَ؟) اسم فاعل من صبأ من دين إلى دين يَصْبَأُ مهموزًا بفتحتين: إذا خرج، فهو صَابِي، ثم جُعِل هذا اللقب عَلَمًا على طائفة من الكفار، يقال: إنها تعبد الكواكب في الباطن، وتُنسب إلى النصرانية في الظاهر، وهم الصَّابِئَةُ، والصَّابِئُونَ، ويَدَّعون أنهم على دين صابئ بن شيث بن آدم، ويجوز التخفيف، فيقال: الصَّابُونُ، وقرأ به نافعٌ، قاله الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللهُ- (٣).

والمراد هنا: هو النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن العرب كانت تسميه - صلى الله عليه وسلم - الصابئَ؛ لأنه خرج من دين قريش إلى الإسلام، ويُسمّون من يدخل في دين الإسلام مَصْبُوًّا؛


(١) "المفهم" ٦/ ٣٩٤.
(٢) "شرح النوويّ" ١٦/ ٢٨.
(٣) "المصباح المنير" ١/ ٣٣٢ - ٣٣٣.