للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ما هو بالشعر، أو ضَمّن الرؤية معنى الأخذ عنه، ووقع في رواية أبي قتيبة: "رأيته يأمر بالخير، وينهى عن الشرّ"، ولا إشكال فيها، قاله في "الفتح".

وقال في "العمدة": [فإن قلت]: الكلام لا يُرَى.

[قلت]: فيه وجهان: الإضمار، والمجاز، من قبيل قوله:

عَلَفْتُهَا تبنًا وماء باردًا

أما الإضمار فهو: سَقَيْتُها ماءً، وأما المجاز فهو أنّ "عَلَفتها" بمعنى أعطيتها، وأما هاهنا فالإضمار هو أن يقدّر: وسمعته يقول كلامًا، وأما المجاز فهو أن يُضمّن الرؤية معنى الأخذ عنه، فالتقدير: وأخذت عنه كلامًا ما هو بالشعر. انتهى (١).

(فَقَالَ) أبو ذرّ لأخيه أُنيس - رضي الله عنهما -: (مَا) نافية، (شَفَيْتَنِي فِيمَا أَرَدْتُ)؛ أي: ما أتيتني بالتفاصيل التي كنت أحبّ أن أعرفها.

وقال النوويّ: قوله: "فيما أردت" كذا في جميع نُسخ مسلم: "فيما" بـ "في"، وفي رواية البخاريّ: "مما" بالميم، وهو أجود؛ أي: ما بلّغتني غرضي، وأزلت عني هَمَّ كشف هذا الأمر. انتهى (٢).

(فَتَزَوَّدَ)؛ أي: أخذ زاد، وهو طعام المسافر المتّخذ لسفره، والجمع أزواد. (وَحَمَلَ شَنَّةً لَهُ) بفتح الشين المعجمة: القربة البالية، وقوله: (فِيهَا مَاءٌ) جملة في محل نصب صفة لـ "شنّةً".

هذه الرواية صريحة في أن أبا ذرّ - رضي الله عنه - كان معه زاد حين سافر إلى مكة، وقد مرّ في رواية عبد الله بن الصامت أنه لم يكن له طعام إلا ماء زمزم مدّة ثلاثين يومًا.

ويُمكن الجمع بينهما بأنه كان معه زاد في ابتداء سفره إلى مكة، ولكنه فنِي بعد وصوله إليها، والله تعالى أعلم.

(حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَأَتَى الْمَسْجدَ) الحرام (فَالْتَمَسَ)؛ أي: طلب (النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَا يَعْرِفُهُ، وَكَرِهَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ)؛ أي: لأنه عَرَف أن قومه يؤذون من يقصده، أو يؤذونه بسبب قَصْد من يقصده، أو لكراهتهم في ظهور أمره لا يَدلّون من يسأل


(١) "عمدة القاري" ١٧/ ٣.
(٢) "شرح النوويّ" ١٦/ ٣٣.