للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: ورُبَّمَا سُكِّنَ ولَيْسَ بالوَجْهِ. قال ابنُ بَرِّيّ: وأَمّا الوَسْطُ بسُكُونِ السِّين فهُوَ ظَرْفٌ، لا اسْمٌ، جَاءَ على وَزانِ نَظِيرِهِ في المَعْنَى، وهُوَ بَيْنَ، تَقُولُ: جَلَسْتُ وَسْطَ القَوْم؛ أي: بَيْنَهُمْ، قال: ولَمّا كانَتْ "بَيْنَ" ظَرْفًا كانت "وَسْطَ" ظَرْفًا، ولهذَا جاءَتْ سَاكِنَةَ الأَوْسَط؛ لِتَكُونَ على وِزَانِهَا، ولَمّا كانَتْ "بَيْنَ" لا تَكُونُ بَعْضًا لِمَا يُضَافُ إِلَيْهَا بخِلافِ الوَسَطِ الَّذِي هو بَعْضُ ما يُضَافُ إِلَيْه، كَذلِكَ "وَسْط" لا تكُونُ بَعْضَ ما تُضَافُ إِلَيْه، أَلا تَرَى أَنَّ وَسَطَ الدّارِ مِنْهَا، ووَسْط القَوْمِ غَيْرهم، ومِنْ ذلِكَ قَوْلُهم: وَسَطُ رَأْسِه صُلْب؛ لأَنَّ وَسَطَ الرّأْسِ بَعْضها، وتَقُولُ: وَسْطَ رَأْسِهِ دُهْنٌ. فتَنْصِبُ وَسْطَ على الظَّرْف، ولَيْسَ هو بَعْضَ الرَّأس، فقَدْ حَصَلَ لَكَ الفَرْقُ بَيْنَهُما من جِهَةِ المَعْنَى، ومِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ، أَمَّا من جِهَةِ المَعْنَى فإِنَّهَا تَلْزَمُ الظَّرْفِيَّةَ، ولَيْسَتْ باسْمٍ مُتَمَكِّنٍ يَصِحُّ رَفْعُهُ، ونَصْبُه عَلَى أَنْ يَكُونَ فاعِلًا ومَفْعُولًا، وغَيْرَ ذلِكَ، بِخلافِ الوَسَطِ.

وأَمَّا من جِهَةِ اللَّفْظِ فإِنَّهُ لا يَكُونُ مِنَ الشَّيْءِ الَّذِي يُضَافُ إِلَيْه، بخِلافِ الوَسَطِ أَيْضًا.

قال المرتضى بعد أن أطال التقرير في هذا، ما نصّه: وقَدِيمًا كُنْتُ أَسْمَعُ شُيُوخَنَا يَقُولُون في الفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَلامًا شَامِلًا لِما ذَكَرُوهُ، وهو: السَّاكِنُ مُتَحَرِّكٌ، والمُتَحَرِّكُ ساكِنٌ، وما فَصَّلْناه مُدْرَجٌ تَحْتَ هذا الكامِنِ. انتهى من "التاج" باختصار (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قد نظمت الضابط المذكور، فقلت:

إِذَا أَرَدتَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْوَسَطِ … مُحَرَّكًا وَبِسُكُونٍ فَاضْبِطِ

فِإِنْ أَتَى بِمَعْنَى"بَيْنَ" سَكِّنَا … أَو لَا فَحَرِّكَنْ تَكُونُ مُحْسِنًا

أَوْ إِنْ أَتَى مُفَرَّقَ الأَجْزَاءِ … كَالنَّاسِ سَكِّنَنْ بِلَا عَنَاءِ

وَإِنْ أَتَى مُتَّصِلًا كَالرَّأْسِ … وَالدَّارِ فَافْتَحَنْ بِدُونِ بَأْسِ


(١) "تاج العروس" ١/ ٥٠٣٤ - ٥٠٣٦.