للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أو يتضمن الحضَّ على الخير، فهو حسن في المساجد، وغيرها، وما لم يكن كذلك لم يَجُز؛ لأنَّ الشعر في الغالب لا يخلو عن الفواحش، والكذب، والتزيين بالباطل، ولو سَلِم من ذلك فأقل ما فيه اللغو، والهذر، والمساجد منزهة عن ذلك؛ لقوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} الآية [النور: ٣٦]، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي لذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن" (١)، وقد تقدَّم هذا المعنى. انتهى (٢).

(فَقَالَ) حسّان: (قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ) وقوله: (وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ) جملة في محلّ نصب على الحال، وأراد به النبيّ -صلى الله عليه وسلم-. (ثُمَّ الْتَفَتَ) حسّان (إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنه- (فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللهَ)؛ أي: أسألك بالله رافعًا نشيدتي؛ أي: صوتي، يقال: نشدتك الله، وبالله أنشُدك، من باب نصر: ذَكّرتك به، واستعطفتك، أو سألتك به مقسِمًا عليك، قاله الفيّوميّ -رحمه الله- (٣).

وقال في "العمدة": قوله: أنشدك اللهَ بفتح الهمزة، وضم الشين، معناه: سألتك بالله، قال الجوهريّ: نشدت فلانًا أنشده نَشْدًا: إذا قلت له: نشدتك الله؛ أي: سألتك بالله، كأنَّك ذكّرته إياه، فنَشَدَ؛ أي: تذكَّر، وقال ابن الأثير: يقال: نشدتك اللهَ، وأنشدك الله، وبالله، وناشدتك الله؛ أي: سألتك، وأقسمت عليك، ونشدته نِشدةً، ونِشدانًا، ومناشدةً، وتَعْدِيته إلى مفعولين، إما لأنه بمنزلة دعوتُ، حيث قالوا: نشدتك الله، وبالله، كما قالوا: دعوت زيدًا، وبزيد، أو لأنهم ضمّنوه معنى ذكرت، وأما أنشدتك بالله، فخطأ. انتهى (٤).


(١) أخرجه مسلم وغيره بلفظ: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس. . ." الحديث، وأما بلفظ: "إن هذه المساجد. . ." قال القرطبيّ: لا أظنه ثابتًا، وإنما الثابت ما ذكرته، وكذا ثبت في مسلم وغيره بلفظ: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله تعالى. . ." الحديث، ولعلّه التبس على القرطبيّ أحدهما بالآخر، فليُتنبّه.
(٢) "المفهم" ٦/ ٤١٨.
(٣) "المصباح المنير" ٢/ ٦٠٥.
(٤) "عمدة القاري" ٤/ ٢١٨.