للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أن لفظ رواية سعيد بن المسيِّب: "مَرّ عمرُ في المسجد، وحسان ينشد، فقال: كنت أُنشد فيه، وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة، فقال: أنشدك الله … " الحديث، ورواية سعيد لهذه القصة عندهم مرسلة؛ لأنه لم يدرك زمن المرور، ولكنه يُحْمَل على أن سعيدًا سمع ذلك من أبي هريرة بعدُ، أو من حسان، أو وقع لحسان استشهاد أبي هريرة مرة أخرى، فحضر ذلك سعيد، ويقويه سياق حديث الباب -يعني: حديث البخاريّ- فإن فيه أن أبا سلمة سمع حسان يستشهد أبا هريرة، وأبو سلمة لم يُدرك زمن مرور عمر أيضًا، فإنه أصغر من سعيد، فدلّ على تعدد الاستشهاد، ويجوز أن يكون التفات حسان إلى أبي هريرة، واستشهاده به، إنما وقع متأخرًا؛ لأن "ثُمّ" لا تدلّ على الفورية، والأصل عدم التعدد، وغايته أن يكون سعيد أرسل قصة المرور، ثم سمع بعد ذلك استشهاد حسان لأبي هريرة، وهو المقصود؛ لأنه المرفوع، وهو موصول بلا تردد، والله أعلم. انتهى (١).

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنه-؛ (أَنَّ عُمَرَ) بن الخطّاب -رضي الله عنه- (مَرَّ بحَسَّانَ) بن ثابت -رضي الله عنه-، وقوله: (وَهُوَ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ) جملة في محلّ نصب على الحال من "حسّان"، و "يُنشد" بضمّ أوله، من الإنشاد، يقال: أنشد الشعرَ: إذا قرأه. (فَلَحَظَ إِلَيْهِ) بفتح الحاء المهملة، يقال: لَحَظَه، كسمِعه، وإليه لَحْظًا، ولَحَظانًا محرّكةً: إذا نظر بمؤخِّر عينيه، وهو أشدّ التفاتًا من الشَّزْر، قاله المجد -رحمه الله- (٢).

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "فلحظ إليه"؛ أي: أومأ إليه بعينيه أن اسكت، وهذا يدلُّ على أن عمر -رضي الله عنه- كان يكره إنشاد الشعر في المسجد، وكان قد بنى رحبة خارج المسجد، وقال: من أراد أن يلغط، أو ينشد شعرًا فليخرج إلى هذه الرحبة، وقد اختُلف في ذلك، فمِن مانع مطلقًا، ومن مجيز مطلقًا، والأَولى التفصيل، وهو أن يُنظر إلى الشعر، فإنْ كان مِمَّا يقتضي الثناء على الله تعالى، أو على رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أو الذبَّ عنهما، كما كان شعر حسان،


(١) "الفتح" ٢/ ١٩٧ - ١٩٨، كتاب "الصلاة" رقم (٤٥٣).
(٢) "القاموس المحيط" ص ١١٦٨.