للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الشعر الذي يملأ الجوف، فلا يكون فيه قرآن، ولا تسبيح، ولا غيره، فأما من كان في جوفه القرآن، والشعر مع ذلك، فليس ممن امتلأ جوفه شعرًا، فهو خارج من قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا يَرِيه خير له من أن يمتلئ شعرًا".

وقال أبو عبد الملك: كان حسان ينشد الشعر في المسجد في أول الإسلام، وكذا لَعِب الحبش فيه، وكان المشركون إذ ذاك يدخلونه، فلما كمل الإسلام زال ذلك كله.

قال العينيّ: أشار بذلك إلى النَّسخ، ولم يوافقه أحد على ذلك.

وقوله: "قيحًا" نُصِب على التمييز، وهو الصديد الذي يسيل من الدُّمّل والجرح.

وقوله: "يَرِيه" من الوَرْي، وهو الداء، يقال: ورى يوري، فهو موري: إذا أصاب جوفه الداء، وقال الجوهريّ: وروى القيح جوفه يريه وريًا: أكله، وقال قوم: معناه: حتى يصيب رِئتيه، قلت: فيه نظر. انتهى كلام العينيّ -رحمه الله- (١)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

٨ - (ومنها): ما قاله القرطبيّ -رحمه الله-: قوله -صلى الله عليه وسلم- لحسان: "أجب عني، اللَّهُمَّ أيده بروح القدس" إنما قال ذلك؛ لأنَّ نفرًا من قريش كانوا يهجون النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم-، منهم: عبد الله بن الزَّبَعْرَى، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعمرو بن العاص، وضرار بن الخطاب، فقيل لعليّ: اهج عنا القوم الذين يهجوننا، فقال: إن أَذِن لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعلت، فأُعلم بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن عليًّا ليس عنده ما يراد من ذلك"، ثم قال: "ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ينصروه بألسنتهم؟ " فقال حسان: أنا لها، وأخذ طرف لسانه، وقال: والله ما يسرُّني به مِقوَلٌ (٢) ما بين بصرى وصنعاء، وكان طويل اللسان، يضرب بلسانه أرنبةَ أنفه من طوله، وكان له ناصية يسدلها بين عينيه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كيف تهجوهم وأنا منهم؟ وكيف تهجوأبا سفيان، وهو ابن عمي؟ "، فقال: والله


(١) "عمدة القاري" ٤/ ٢١٩.
(٢) "المِقول": اللسان.