للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بعده، وفي رواية للبخاريّ: "دخل حسّان بن ثابت على عائشة، فشبّب"، وفي رواية له: "جاء حسّان بن ثابت يستأذن عليها". وفي رواية مؤمل عن سفيان، عند الإسماعيليّ: "كنت عند عائشة، فدخل حسان، فأَمَرت، فأُلقيت له وسادةٌ، فلما خرج قلت: أتأذنين لهذا؟ ". (يُنْشِدُهَا شِعْرًا) بضمّ حرف المضارعة، من الإنشاد، وهو قراءة الشعر. (يُشَبِّبُ بِأَبْيَاتٍ لَهُ) بالشين المعجمة، من التشبيب، وهو ذِكر الشاعر ما يتعلق بالغزَل (١).

وقال في "الفتح": قوله: "يُشبّب" بمعجمة، وموحدتين، الأولى ثقيلة؛ أي: تغزّل، يقال: شَبَّب الشاعر بفلانة؛ أي: عَرَّض بحبها، وذَكَر حُسْنها، والمراد: ترقيق الشِّعر بذِكر النساء، وقد يُطلق على إنشاد الشعر، وإنشائه، ولو لم يكن فيه غزل، كما وقع في حديث أم معبد: "فلما سَمِع حسان شعر الهاتِف، شبَّب يجاريه، أخَذَ في نَظْم جوابه" (٢).

(فَقَالَ: حَصَانٌ) خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: هي حصانٌ، وهو بفتح الحاء؛ أي: عفيفة، تمتنع من الرجال، قاله في "العمدة".

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: "حَصَان": عفيفة، وقد تقدّم القول في وجوه الإحصان. و "رَزَان": كاملة الوقار، والعقل. يقال: رَزُن (٣) الرجل رزانة، فهو رزين: إذا كان وقورًا، وامرأة رزان. و "غرثى": من الغرث، وهو الجوع، يقال: رجل غرثان، وامرأة غرثى؛ كعطشان وعطشى. و "الغوافل" جمع تكسير غافلة؛ يعني: أنهن غافلات عما رُمين به من الفاحشة، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} الآية [النور: ٢٣]، ويعني حسان بهذا البيت: أن عائشة -رضي الله عنها- في غاية العفة، والنزاهة عن أن تُزنَّ بريبة؛ أي: تُتَّهم بها. ثم وَصَفها بكمال العقل والوقار، والورع المانع لها من أن تتكلم بعرض غافلة، وشبَّهها بالغرثى؛ لأنَّ بعض الغوافل قد كان هو آذاها فما تكلمت فيها، وهي: حمنة بنت جحش، فكأنها كانت بحيث تنتصر ممن آذاها، بأن تقابلها


(١) "عمدة القاري" ١٧/ ٢١٢.
(٢) "الفتح" ١٠/ ٤٤٠، كتاب "التفسير" رقم (٤٧٥٦).
(٣) ككرم.