للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لها، وكان من مقتضاه أن تظلّ ساخطة عليه، ولكنها آثرت علاقته به -صلى الله عليه وسلم- على عواطفها الشخصيّة. انتهى (١). والله تعالى أعلم.

وقال ابن كثير في "تفسيره": {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ} قيل: ابتدأ به، وقيل: الذي كان يَجمعه، ويستوشيه، ويذيعه، ويشيعه، {لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: ١١]؛ أي: على ذلك، ثم الأكثرون على أن المراد بذلك إنما هو عبد الله بن أُبَيّ ابن سَلُولَ قبّحه الله، ولعنه، وهو الذي تقدم النّصّ عليه في الحديث، وقال ذلك مجاهد، وغير واحد، وقيل: المراد به حسان بن ثابت، وهو قول غريب، ولولا أنه وقع في "صحيح البخاريّ" ما قد يدل على إيراد ذلك لَمَا كان لإيراده كبير فائدة، فإنه من الصحابة الذين لهم فضائل، ومناقب، ومآثر، وأحسن مآثره أنه كان يذبّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشعره، وهو الذي قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هاجهم، وجبريل معك"، وقال الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق: قال: كنت عند عائشة -رضي الله عنها-، فدخل حسان بن ثابت، فأمَرَتْ، فأُلقي له وسادة، فلما خرج قلت لعائشة: ما تصنعين بهذا؟ يعني: يدخل عليك، وفي رواية قيل لها: أتأذنين لهذا، يدخل عليك، وقد قال الله: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: ١١]؟، قالت: وأي عذاب أشدّ من العمى؟ وكان قد ذهب بصره، لعل الله أن يجعل ذلك هو العذاب العظيم، ثم قالت: إنه كان ينافح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وفي رواية أنه أنشدها عندما دخل عليها شعرًا يمتدحها به، فقال:

حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ … وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لَحُومِ الْغَوَافِلِ

فقالت: أما أنت فلست كذلك، وفي رواية: لكنك لست كذلك.

وقال ابن جرير: حدّثنا الحسن بن قزعة، حدّثنا سلمة بن علقمة، حدّثنا داود، عن عامر، عن عائشة؛ أنها قالت: ما سمعت بشعر أحسن من شعر حسان، ولا تمثّلت به إلا رجوت له الجنة، قوله لأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب:


(١) "تكملة فتح الملهم" ٥/ ١٤٦.