للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويُروى أيضًا أن الناس قد أُمروا يوم فتح مكة بأن يسيروا إلى كداء، تفاؤلًا بشعر حسّان -رضي الله عنه-، فكان الأمر كذلك.

(فَإنْ أَعْرَضْتُمُو عَنَّا اعْتَمَرْنَا … وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ)

ظاهر هذا أن حسّان -رضي الله عنه- قال هذه القصيدة في عمرة الحديبية حين صُدّوا عن البيت، وقيل: إنه قالها يوم فتح مكة، والظاهر هو الأول؛ لأنه يقول: إن أعرضتم عنّا، ولم تصدّونا عن البيت أدّينا عمرتنا، وحصل لنا الفتح في هذا الأمر، وإلا فانتظروا يومًا يُعزّ الله فيه المسلمين، وهو يوم فتح مكة، ما بيّنه بقوله:

(وَإِلَّا فَاصْبِرُوا لِضِرَابِ … يَوْمِ يُعِزُّ اللهُ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ)

الضِّراب بكسر الضاد المعجمة: المضَاربة بالسيف والقتال، وقوله: "يُعزّ الله فيه من يشاء" فيه تجاهل العارف، وهو من صنائع البديع، والمراد: أن الله تعالى يُعزّ المسلمين، ولكنه لم يُصرّح بذلك.

(وَقَالَ اللهُ قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْدًا … يَقُولُ الْحَقَّ لَيْسَ بِهِ خَفَاءُ)

شهِد حسّان -رضي الله عنه- بتصديقه -صلى الله عليه وسلم- في هذا البيت، ولذلك قال في البيت الذي بعده:

شَهِدتُ بِهِ فَقُومُوا صَدِّقُوهُ … فَقُلْتُمْ لَا نَقُومُ وَلَا نَشَاءُ (١)

أي: لا نقوم لتصديقه، ولا نريده، فعانَدوا، ولمَّا كان كذلك قال:

(وَقَالَ اللهُ قَدْ يَسَّرْتُ جُنْدًا … هُمُ الأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ)

"عُرضتها" بضم العين: قَصْدها، يقال: اعترضت عُرضه؛ أي: قصدت قَصْده، والمراد أن الأنصار قَصْدهم لقاء العدوّ والقتال، وقد تكون العرضة بمعنى القوّة، يقال: فلان عُضة لكذا؛ أي: قويّ عليه، والمراد أن الأنصار أقوياء على القتال، وإنما خصّ الأنصار بالذِّكر؛ لأنهم الذين قاموا بمبازرة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مَنْ عانَد من قومه، وأما المهاجرون فلم يظهر لهم أمر إلا عند اجتماعهم بالأنصار.


(١) هذا ليس من أبيات مسلم، بل هو من شرح الأبيّ.