[تنبيه]: ذكر القرطبيّ -رَحِمَهُ الله - أول هذه القصيدة، وشرحها، فقال ما نصّه: لم يرو مسلم أوَّل هذه القصيدة، وقد ذكرها بكمالها ابن إسحاق، وذكر أوَّلها:
فلنذكرها على ما ذكرها ابن إسحاق ونفسِّر غريبها؛ فإنَّها قصيدة حسنة مشتملة على فوائد كثيرة.
وقوله: عفت: معناه: درست وتغيَّرت، وذات الأصابع والجِواء: موضعان بالشام، وعذراء: قرية عند دمشق، إنَّما ذكر حسّان هذه المواضع؛ لأنَّه كان يَرِدها كثيرًا على ملوك غسان يمدحهم، وكان ذلك قبل الإسلام. وخلا: خالٍ ليس به أحد.
ديارٌ من بني الحَسحَاس قَفرٌ … تُعَفِّيها الرَّوامسُ والسَّماء
وكانت لا يَزَالُ بها أَنِيسٌ … خِلالَ مُرُوجِها نَعَمٌ وَشَاءُ
الدِّيار: المنازل. وبنو الحسحاس: قبائل معروفون، وتُعَفِّيها: تغيِّرها. والروامس: الرياح، وسُمِّيت بذلك؛ لأنَّها ترمس الآثار؛ أي: تغيّرها، والرمس والرسم: الأَثَر الخفيّ. والسماء: المطر. والسماء: كل ما علاك فأظلَّك. وخِلال: بمعنى بين. ومروج: جمع مَرْج، وهو الموضع المُنْبِت للعشب المختلف الذي يختلط بعضه ببعض. والنَّعَم: الإبل خاصّة، والأنعام: يتناول: الإبل، والبقر، والغنم. والشاءُ: الغنم.
فَدَع هَذَا ولَكِن مَن لِطَيْفٍ … يُؤَرِّقُنِي إذا ذَهَبَ العِشاءُ
الطَّيف: ما يراه النائم في منامه، وهو في الأصل مصدر: طاف الخيال، يطوف طيفًا، ولم يقولوا في هذا: طائف في اسم الفاعل، قال السُّهيلي: لأنه تخيُّل لا حقيقة له، فأمَّا قوله:{فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ}[القلم: ١٩]، فلا يقال: فيه طيف؛ لأنَّه اسم فاعل حقيقة، ويقال: إنه جبريل، فأمَّا قوله تعالى:{إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا}[الأعراف: ٢٠١]. فمن قرأه:{طَائِفٌ} اسم فاعل؛ فإنَّه أراد به الشيطان نفسه، ومن قرأه:"طيف" أراد به تخيّله ووسواسه، وهي لا حقيقة لها، ويؤرقني: يُسهرني. إذا ذهب العِشاء؛ أي: بعد العشاء في الوقت الذي ينام فيه الناس؛ يعني: أنه يسهر لفكرته في الطيف، أو لِلَوْعَتِه به كلما غمض.