فسأل عائشة، فصدّقته، فقال: لقد فرّطنا في قراريط كثيرة. وأخرج البغوي بسند جيد، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن ابن عمر؛ أنه قال لأبي هريرة: أنت كنت ألزمنا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأعلمنا بحديثه. وأخرج ابن سعد بسند جيد، عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، قال: قالت عائشة لأبي هريرة: إنك لَتُحَدِّث بشيء ما سمعته، قال: يا أمه طَلَبْتُها، وشَغَلَك عنها المكحلة والمرآة، وما كان يشغلني عنها شيء، والأخبار في ذلك كثيرة.
وأخرج البيهقي في "المدخل" من طريق بكر بن عبد الله، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، أنه لقي كعبًا، فجعل يحدثه ويسأله، فقال كعب: ما رأيت رجلًا لم يقرأ التوراة أعلم بما في التوراة من أبي هريرة. وأخرج أحمد من طريق عاصم بن كليب، عن أبيه: سمعت أبا هريرة يبتدئ حديثه بأن يقول: قال رسول الله الصادق المصدوق، أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم-: "من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار". وأخرج مسدد في "مسنده" من رواية معاذ بن المثنى، عن خالد، عن يحيى بن عبيد الله، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: بلغ عمر حديثي، فقال لي: كنت معنا يوم كنا في بيت فلان؟ قلت: نعم، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يومئذ:"من كذَّب علي. . ." الحديث، قال: اذهب الآن فحدِّث. قال الذهبيّ: يحيى ضعيف.
وعن سعيد بن عبد العزيز، عن إسماعيل بن عُبيد الله، عن السائب بن يزيد، سمع عمر يقول لأبي هريرة: لتتركنّ الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو لأُلحقنك بأرض دوس، وقال لكعب: لتتركن الحديث، أو لألحقنك بأرض الْقِرَدة. وعن يحيى بن أيوب، عن ابن عجلان أن أبا هريرة كان يقول: إني لَأُحَدِّث أحاديث، لو تكلمت بها في زمن عمر لشُجّ رأسي.
قال الحافظ الذهبيّ: هكذا كان عمر -رضي الله عنه- يقول: أقلّوا الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وزجر غير واحد من الصحابة عن بثّ الحديث، وهذا مذهب لعمر ولغيره، فبالله عليك إذا كان الإكثار من الحديث في دولة عمر، بل هو غضّ لم يُشَب، فما ظنك بالإكثار من رواية الغرائب، والمناكير في زماننا مع طول الأسانيد، وكثرة الوهم والغلط؟ فبالحريّ أن نزجُر القوم عنه، فيا ليتهم يقتصرون على رواية الغريب والضعيف، بل يروون -والله- الموضوعات