أي: عجلت في الخروج إلى الباب دون أن تغطي رأسها بالخمار، وهو بكسر الخاء، وتخفيف الميم: ثوب تُغَطّي به المرأة رأسها. (فَفَتَحَتِ الْبَابَ، ثُمَّ قَالَتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه) -صلى الله عليه وسلم-. (قَالَ) أبو هريرة: (فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَأَتَيْتُهُ، وَأَنَا أَبْكِي مِنَ الْفَرَح) جملة حاليّة من الفاعل؛ يعني: أنه من شدّة فرحه بإسلام أمه بكى. (قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَبْشِرْ) يَحْتمل أن يكون بقطع الهمزة، من أبشر إبشارًا، بمعنى فَرِحَ، ويَحتمل أن يكون بوصل الهمزة، مع كسر الشين، وفتحها، من بَشَر، كضرب، وبَشِرَ، كعَلِم، بمعنى سُرَّ، وافرَحْ. (قَدِ اسْتَجَابَ اللهُ دَعْوَتَكَ، وَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَحَمِدَ) النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ خَيْرًا)؛ أي: تكلّم بخير بأن أثنى على أبي هريرة في سعيه إلى إسلام أمه، أو دعا لأمه بالثبات على الإسلام، أو نحو ذلك. (قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، ادْعُ اللهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي)؛ أي: يجعلني محبوبًا، (أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) قال الأبيّ -رحمه الله-: يَحْتَمل أنه تلطّف في سؤال أن يُحبّه الله تعالى؛ لأن ذلك فَرْع محبة الله -سبحانه وتعالى- إياه، لِمَا في "الصحيحين" عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله إذا أحب عبدًا دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانًا، فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلانًا فأحبّوه، فيحبه أهل السماء -قال-: ثم يوضع له القبول في الأرض. . ." الحديث.
(وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا)؛ أي: ويجعلهم محبوبين لدينا. (قَالَ) أبو هريرة: (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ) بالتصغير، وليس تصغير تحقير، بل أسلوب من أساليب المحبّ، كما يفعل الآباء مع الأبناء.
(هَذَا -يَعْنِي: أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأُمَّهُ- إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَبِّبْ إِلَيْهِمُ الْمُؤْمِنِينَ") قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: (فَمَا) نافية، (خُلِقَ) بالبناء للمفعول، (مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي)؛ أي: يسمع بذكر اسمي بعد مماتي (وَلَا يَرَانِي)؛ أي: في حياته (إِلَّا أَحَبَّنِي) إنما جزم أبو هريرة -رضي الله عنه- بهذا، وإن كان مغيّبًا؛ لقوّة اعتقاده باستجابة دعاء النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولا سيّما، وقد شاهده في المرّة الأولى، حيث دعا -صلى الله عليه وسلم- لأمه، وكانت شديدة البغض للإسلام، فهداها الله تعالى بسبب دعائه، فلهذا جزم هنا، والله تعالى أعلم.