للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-) بكسر همزة "إنّ"؛ لوقوعها جملة تعليليّة، ويَحْتَمل فَتْحها على تقدير حرف التعليل؛ أي: لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ) بفتح أوله، وضمّ ثالثه، يقال: سردت الحديث سرْدًا، من باب نصر: أتيت به على الوِلاء (١).

(الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ) قال القرطبيّ -رَحِمَهُ الله-: قالت عائشة -رضي الله عنها- هذا منكرةً عليه إكثاره من الأحاديث في المجلس الواحد، ولذلك قالت في غير هذه الرواية: "إنما كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يُحدِّثُ حديثًا لو عدَّه العادُّ لأحصاه"؛ تعني: أنه كان يحدِّث حديثًا قليلًا، ويَحْتَمِل أن تريد بذلك أنه كان يحدِّث حديثًا واضحًا مبينًا، بحيث لو عُدَّت كلماته أُحصيت لقلِّتها، وبيانها، ويدلّ على صحة هذا التأويل قولها: "ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسرد الحديث سردكم هذا". انتهى (٢).

وقوله: (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ)؛ أي: بالسند السابق، فهو موصول، وليس معلّقًا.

[تنبيه]: ما ذكره الشيخ الهرريّ في شرحه من أن قوله هنا: "قال ابن شهاب … إلخ" تحريف من النُّساخ، ثم تكلّم في تصويبه حسبما رآه، فانظر شرحه (٢٤/ ١٠١ - ١٠٢)، ففيه نظر لا يخفى، والحقّ أنه لا تحريف، وأن مسلمًا ساقه كما سمعه، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى وليّ التوفيق.

(وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: يَقُولُونَ)؛ أي: بعض الناس متعجّبًا من كثرة أحاديثه، مع قصر زمان صحبته للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، (إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَدْ أَكْثَرَ)؛ أي: من رواية الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم-، (وَاللهُ الْمَوْعِدُ) تقدّم شرحه قبل حديث. (وَيَقُولُونَ: مَا) استفهاميّة للتعجبّ والاستغراب، (بَالُ)؛ أي: حال (الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ لَا يَتَحَدَّثُونَ مِثْلَ أَحَادِيثِهِ؟)؛ أي: من حيث الكثرةُ.

ثمّ قال أبو هريرة -رضي الله عنه- مبيّنًا سبب كثرة أحاديثه: (وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ)؛ أي: عن علّة وسبب كثرة أحاديثي، دون المهاجرين والأنصار. (إِنَّ إِخْوَانِي) بكسر همزة "إنّ"؛ لوقوعها في موضع الاستئناف، كما قال في "الخلاصة":

فَاكْسِرْ فِي الابْتِدَا وَفِي بَدْءِ صِلَهْ … وَحَيْثُ "إِنَّ" لِيَمِينٍ مُكْمِلَهْ


(١) "المصباح المنير" ١/ ٢٧٣.
(٢) "المفهم" ٦/ ٤٣٦.