(فَـ) لمّا بيّن عذره (قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-) لأصحابه: ("صَدَقَ") بتخفيف الدال؛ أي: قال الصدق فيما ذكره من العذر، وفي رواية للبخاريّ:"إنه قد صدقكم"، قال في "الفتح": يَحْتَمِل أن يكون -صلى الله عليه وسلم- عَرَف صِدْقه مما ذَكَرَ، ويَحتمل أن يكون بوحي. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: كونه بالوحي هو الأظهر عندي، والله تعالى أعلم. (قَالَ عُمَرُ) بن الخطّاب -رضي الله عنه-: (دَعْنِي)؛ أي: اتركني (يَا رَسُولَ اللهِ، أَضْرِبْ) بالجزم على أنه جواب الأمر، وفي رواية البخاريّ:"فأضرب" فيكون منصوبًا بعد الفاء السببيّة، كما قال في "الخلاصة":
وفي رواية له:"فلأضرب" قال الكرمانيّ: هو بكسر اللام، ونصب الباء، وهو في تأويل مصدر محذوف، وهو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: اتركني لأضرب عنقه، فتَرْكك لي من أجل الضرب، ويجوز سكون الباء، والفاءُ زائدة، على رأي الأخفش، واللام للأمر، ويجوز فتحها على لغةٍ، وأمرُ المتكلم نفسه باللام فصيح، قليل الاستعمال، وفي حديث ابن عباس:"قال عمر: فاخترطت سيفي، وقلت: يا رسول الله أمكنّي منه، فإنه قد كفر".
وقد أنكر القاضي أبو بكر بن الباقلاني هذه الرواية، وقال: ليست بمعروفة، قاله في الردّ على الجاحظ؛ لأنه احتج بها على تكفير العاصي، قال الحافظ: وليس لإنكار القاضي معنى؛ لأنها وردت بسند صحيح، وذكر الْبَرْقاني في "مستخرجه" أن مسلمًا أخرجها، وردّه الحميدي، والجمع بينهما أن مسلمًا خرّج سندها، ولم يَسُق لفظها، وإذا ثبت فلعله أطلق الكفر، وأراد به كفر النعمة، كما أَطلق النفاق، وأراد به نفاق المعصية، وفيه نظر؛ لأنه استأذن في ضرب عنقه، فأشعر بأنه ظن أنه نافق نفاق كفر، ولذلك أطلق أنه كفر، ولكن مع ذلك لا يلزم منه أن يكون عمر يرى تكفير من ارتكب معصية، ولو كَبُرت كما يقوله المبتدعة، ولكنه غلب على ظنه ذلك في حق حاطب، فلمّا بَيَّن له النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عُذر حاطب رجع. انتهى (١).