للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(عُنُقَ) بضمّتين، وبضمّ، فسكون، قال الفيّوميّ -رحمه اللهُ-: الْعُنُقُ: الرقبةُ، وهو مذكّرٌ، والحجاز تؤنّثه، فيقال: هي العُنُق، والنون مضمومة للإتباع في لغة الحجاز، وساكنة في لغة تميم، والجمع أعناق. انتهى (١).

(عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ) إنما قال ذلك عمر -رضي الله عنه- مع تصديق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحاطب فيما اعتذر به؛ لِمَا كان عند عمر من القوّة في الدين، وبُغض من يُنسب إلى النفاق، وظَنّ أن من خالف ما أَمَره به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استَحَقّ القتل، لكنه لم يجزم بذلك، فلذلك استأذن في قَتْله، وأَطلق عليه منافقًا؛ لكونه أبْطَن خلاف ما أظهر، وعُذْر حاطب ما ذَكَره، فإنه صَنَع ذلك متأوِّلًا أن لا ضرر فيه.

وعند الطبريّ من طريق الحارث، عن عليّ -رضي الله عنه- في هذه القصة: "فقال: أليس قد شَهِدَ بدرًا؟، قال: بلى، ولكنه نكث، وظاهَر أعداءك عليك" (٢).

وقال القرطبيّ -رحمه اللهُ-: إنما أطلق عليه عمر -رضي الله عنه- اسم النفاق؛ لأنَّ ما صدر منه يُشبه فعل المنافقين؛ لأنَّه والى كفار قريش، وباطَنَهم، وهمَّ بأن يُطلعهم على ما عزم عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من غزوهم، مع أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد كان دعا، فقال: "اللَّهُمَّ أَخْفِ أخبارنا عن قريش"، لكن حاطبًا لم ينافق بقلبه، ولا ارتدّ عن دينه، وإنما تأوَّل فيما فَعَل من ذلك أن إطلاع قريش على بعض أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يضر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويخوِّف قريشًا. ويُحكى: أنه كان في الكتاب تفخيم أمر جيش رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنهم لا طاقة لهم به، يخوِّفهم بذلك ليخرجوا عن مكة، ويفرُّوا منها، وحسَّن له هذا التأويل تَعلُّق خاطره بأهله، ووَلَدِه؛ إذ هُمْ قطعة من كبده، ولقد أبلغ من قال: قلَّما يُفلح من كان له عيال، لكن لَطَفَ الله تعالى به، فنجَّاه بما عَلِم من صحَّة إيمانه، وصدقه، وغفر له بسابقة بدر، وسَبْقه. انتهى (٣).

(فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم-: ("إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا) أرشد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلى علة ترك قَتْله بأنه


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٤٣٢.
(٢) "الفتح" ١٠/ ٦٨٤، كتاب "التفسير" رقم (٤٨٩٠).
(٣) "المفهم" ٦/ ٤٤٠.