للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شهد بدرًا، فكأنه قيل: وهل يُسقط عنه شهوده بدرًا هذا الذنب العظيم؟ فأجاب بقوله: "وما يدريك. . . إلخ".

(وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ) قال القرطبيّ -رحمه الله-: معنى "يُدريك": يُعْلِمك، و"لعلّ": للتراخي، لكن هذا الرجاء محقَّق للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ بدليل ما ذَكَره الله تعالى في قصة أهل بدر في "آل عمران"، و"الأنفال"، من ثنائه عليهم، وعَفْوه عنهم، وبدليل قوله -صلى الله عليه وسلم- للذي قال في حاطب: "إنه يدخل النار"، وأقسم عليه: "كذبت، لا يدخلها، فإنَّه شهد بدرًا"، فهذا إخبار محقَّق، لا احتمال فيه، ولا تجوُّز. انتهى (١).

وقال في "الفتح": قوله: "لعلّ الله. . . إلخ" هكذا في أكثر الروايات بصيغة الترجي، لكن قال العلماء: إن الترجي في كلام الله تعالى وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- للتحقيق والوقوع، وعند أحمد، وأبي داود، وابن أبي شيبة، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- بالجزم، ولفظه: "إن الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم"، وعند أحمد بإسناد على شرط مسلم، من حديث جابر -رضي الله عنه- مرفوعًا: "لن يدخل النار أحدٌ شهد بدرًا" (٢).

(فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ") قال النوويّ: قال العلماء: معناه: الغفران لهم في الآخرة، وإلا فإن توجَّه على أحد منهم حدّ، أو غيره أقيم عليه في الدنيا، ونَقَل القاضي عياض الإجماع على إقامة الحدّ، وأقامه عمر -رضي الله عنه- على بعضهم، قال: وضرب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مِسْطَحًا الحدّ، وكان بدريًّا. انتهى (٣).

وقال في "الفتح": قد استُشكل هذا، فإن ظاهره أنه للإباحة، وهو خلاف عَقْد الشرع.

وأجيب بأنه إخبار عن الماضي؛ أي: كل عمل كان لكم فهو مغفور، ويؤيده أنه لو كان لِمَا يستقبلونه من العمل، لم يقع بلفظ الماضي، ولقال: فسأغفره لكم.


(١) "المفهم" ٦/ ٤٤٠.
(٢) "الفتح" ٩/ ٤٦، كتاب "المغازي" رقم (٣٩٨٣).
(٣) "شرح النوويّ" ١٦/ ٥٦ - ٥٧.