للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وتُعُقِّب بأنه لو كان للماضي لَمَا حسن الاستدلال به في قصة حاطب؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- خاطب به عمر منكِرًا عليه ما قال في أمر حاطب، وهذه القصة كانت بعد بدر بست سنين، فدلّ على أن المراد ما سيأتي، وأورده في لفظ الماضي مبالغةً في تحقيقه.

وقيل: إن صيغة الأمر في قوله: "اعملوا" للتشريف والتكريم، والمراد: عدم المؤاخذة بما يصدر منهم بعد ذلك، وأنهم خُصُّوا بذلك؛ لِمَا حَصَل لهم من الحال العظيمة التي اقتضت محو ذنوبهم السابقة، وتأهلوا لأن يغفر الله لهم الذنوب اللاحقة، إن وقعت؛ أي: كل ما عملتموه بعد هذه الواقعة من أيّ عمل كان، فهو مغفور.

وقيل: إن المراد أن ذنوبهم تقع إذا وقعت مغفورةً، وقيل: هي بشارة بعدم وقوع الذنوب منهم، وفيه نَظَر ظاهر؛ لِمَا في قصة قُدامة بن مظعون حين شرب الخمر في أيام عمر، وحدّه عمر، فهاجر بسبب ذلك، فرأى عمر في المنام من يأمره بمصالحته، وكان قدامة بدريًّا، والذي يُفهم من سياق القصة الاحتمال الثاني، وهو الذي فهمه أبو عبد الرحمن السُّلَميّ التابعيّ الكبير، حيث قال لحيان بن عطية: قد علمتُ الذي جرّأ صاحبك (١) على الدماء، وذَكَر له هذا الحديث، واتفقوا على أن البشارة المذكورة فيما يتعلق بأحكام الآخرة، لا بأحكام الدنيا، من إقامة الحدود وغيرها، والله أعلم. انتهى (٢).

وقال في "الفتح" أيضًا في موضع آخر: قوله: "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" كذا في معظم الطرق، وعند الطبريّ من طريق معمر، عن الزهريّ، عن عروة: "فإني غافر لكم"، وهذا يدلّ على أن المراد بقوله: "غفرت"؛ أي: أغفر على طريق التعبير عن الآتي بالواقع؛ مبالغةً في تحققه، وفي "مغازي ابن عائذ" من مرسل عروة: "اعملوا ما شئتم، فسأغفر لكم"، والمراد: غفران ذنوبهم في الآخرة، وإلا فلو وجب على أحدهم حدّ مثلًا لم يَسْقُط في الدنيا.


(١) يعني: عليًّا -رضي الله عنه-.
(٢) "الفتح" ٩/ ٤٦ - ٤٧، كتاب "المغازي" رقم (٣٩٨٣).