للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: ١٠١]، وأجيب عنه بأن المراد: عن عذابها. وعن الحسن، وقتادة: الورود: المرور على الصراط؛ لأن الصراط ممدود عليها، فيَسْلَم أهل الجنة، ويتقاذف أهل النار. وعن مجاهد: ورود المؤمن النار هو مسّ الحمى جسده في الدنيا؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الحمّى حظ كل مؤمن من النار"، وقال رجل من الصحابة لآخر: أيقنت بالورود؟ قال: نعم. قال: وأيقنت بالصدر؟ قال: لا. قال: ففيم الضحك؟ وفيم التثاقل؟، وقوله: {كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا}؛ أي: كان ورودهم واجبًا كائنًا محتومًا، والحتم مصدر حَتَمَ الأمرَ: إذا أوجبه، فسُمّي به الموجَب؛ كقولهم: "ضرب الأمير". انتهى (١).

(فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "قَدْ قَالَ اللهُ -عز وجل-) بعد إخباره بعموم ورود الناس النار: ({ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا}) عن الشرك، وهم المؤمنون، {وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} فيه دليل على دخول الكل؛ لأنه قال: {وَنَذَرُ} ولم يقل: ونُدخل، والمذهب أن صاحب الكبيرة قد يعاقَب بقَدْر ذنبه، ثم ينجو، لا محالةَ. وقالت المرجئة الخبيثة: لا يعاقَب؛ لأن المعصية لا تضرّ مع الإسلام عندهم. وقالت المعتزلة: يخلد. انتهى (٢).

وقال الإمام ابن كثير -رحمه الله-: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا}؛ أي: إذا مرَّ الخلائق كلهم على النار، وسقط فيها من سقط من الكفار، والعصاة ذوي المعاصي، بحَسَبهم، نجّى الله تعالى المؤمنين المتّقين منها بحَسَب أعمالهم، فجوازهم على الصراط، وسرعتهم بقدر أعمالهم التي كانت في الدنيا، ثم يشفعون في أصحاب الكبائر من المؤمنين، فيشفع الملائكة، والنبيّون، والمؤمنون، فيُخرجون خلقًا كثيرًا قد أكلتهم النار، إلا دارات وجوههم، وهي مواضع السجود، وإخراجهم إياهم من النار بحسب ما في قلوبهم من الإيمان، فيُخرِجون أوّلًا من كان في قلبه مثقال دينار من إيمان، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، حتى يُخرجون من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، ثم يُخرِج الله من النار من قال يومًا من الدهر: لا إله إلا الله، وإن لم يعمل خيرًا قط، ولا يبقى في النار إلا من وجب عليه الخلود، كما وردت


(١) "تفسير النسفي" ٢/ ٢٨٠.
(٢) "تفسير النسفي" ٢/ ٢٨١.