بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولهذا قال تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (٧٢)}. انتهى (١).
({وَنَذَرُ})؛ أي: نترك ({الظَّالِمِينَ})؛ أي: الكافرين ({فِيهَا})؛ أي: في النار، حال كونهم ({جِثِيًّا})؛ أي: باركين على الرُّكَب، والمراد أنهم يُعذَّبون فيها دائمًا وأبدًا.
وقال القرطبيّ -رحمه الله-: المتقي: هو الحَذِر من المكروه الذي يتحرز منه بإعداد ما يتقيه به. {وَنَذَرُ}: نترك، والظالم هنا: هو الكافر؛ لأنَّه وضع الإلهية والعبادة في غير موضعهما، و {جِثِيًّا}: جمع جاث، وأصله: الجالس على ركبتيه، والمراد به ها هنا: المكبوب على وجهه، وهو: المكردس المذكور في الحديث، والله تعالى أعلم.
قال: وقول حفصة -رضي الله عنها-: "بلى" قول أخرجه منها الشهامة النفسية، والقوة العُمَرية، فإنَّها كانت بنت أبيها، وهذا من نحو قول عمر -رضي الله عنه- للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- في المنافقين: أتصلّي عليهم؟ وتمسُّكها بعموم قوله تعالى:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} دليلٌ على أن {مِنْكُمْ} للعموم عندهم، وأن ذلك معروف من لغتهم، وانتهار النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لها تأديب لها وزجر عن بادرة المعارضة، وترك الحرمة، ولمّا حصل الإنكار صرّحت بالاعتذار، فذكرت الآية. وحاصل ما فَهِمتْ منها: أن الورود فيها بمعنى الدخول، وأنها قابلت عموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل النار أحدٌ ممن بايع تحت الشجرة" بعموم قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}، وكأنها رجَّحت عموم القرآن، فتمسكت به، فأجابها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بأن آخر الآية يبيِّن المقصود، فقرأ قوله تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (٧٢)}.
وحاصل الجواب: تسليم أن الورود دخول، لكنه دخول عبور، فينجو من اتقى، ويُترك فيها من ظَلَم، وبيان ذلك: أن جهنم -أعاذنا الله منها- محيطة بأرض المحشر، وحائلة بين الناس وبين الجنة، ولا طريق للجنة إلا الصراط الذي هو جسر ممدود على متن جهنم، فلا بدَّ لكل من ضمَّه المحشر من